بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (217)

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش مع تسعة رهط ، في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين إلى عير لقريش ، فلقوا العير . وكان ذلك في آخر الشهر ، فأمر عبد الله بن جحش بعض أصحابه ، فحلق رأسه . فلما رآهم المشركون آمنوا وظنوا أنه دخل رجب ، فقاتلهم المسلمون وأخذوا أموالهم ، فعيَّرهم المشركون بذلك ، فنزلت هذه الآية : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } . قال الزجاج : معناه يسألونك عن القتال في الشهر الحرام . وقال القتبي يسألونك عن القتال في الشهر الحرام هل يجوز ؟ فأبدل قتالاً من الشهر الحرام . { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ، أي عظيم عند الله . ثم قال : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله } ، يقول منع الناس عن الكعبة أن يطاف بها . { وَكُفْرٌ بِهِ } ، أي بالله تعالى ويقال : { وَكُفْرٌ بِهِ } أي بالحج .

قوله : { والمسجد الحرام } ؛ وإنما صار خفضاً ، لأنه عطف على سبيل الله ، كأنه قال : وصدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وكفر بالله تعالى . { وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ } . أي من المسجد { أَكْبَرُ عِندَ الله والفتنة أَكْبَرُ مِنَ القتل } ، أي أعظم عقوبة عند الله من القتال في الشهر الحرام . { والفتنة } ، يعني الشرك { أَكْبَرُ مِنَ القتل } ، أعظم عقوبة من القتل في الشهر الحرام . ثم قال : { وَلاَ يَزَالُونَ يقاتلونكم حتى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } الإسلام إلى دينهم الكفر . { إِنِ اسْتَطَاعُواْ } ، يعني إن قدروا على ذلك ولكنهم لا يقدرون عليه . ثم هدد المسلمين ليثبتوا على دينهم الإسلام ، فقال تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } الإسلام . { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } بالله تعالى { فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم } ، أي بطلت حسناتهم . { فِى الدنيا والآخرة } ، يعني لا يكون لأعمالهم التي عملوا ثواب ، كما قال في آية أخرى : { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً }

[ الفرقان : 23 ] ، وقال تعالى : { أولئك الذين كَفَرُواْ بآيات رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً } [ الكهف : 105 ] . { وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } ، أي دائمون .

قال الفقيه : حدثنا أبو إبراهيم محمد بن سعيد قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا إبراهيم بن داود قال : حدثنا المقدمي ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : حدثنا الحضرمي ، عن أبي السوار ، عن جندب بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً وبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتاباً ، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال : « لَا تُكْرِه أَحَداً مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى المَسِيرِ » فلما بلغ المكان ، قرأ الكتاب فاسترجع ثم قال : السمع والطاعة لله ولرسوله ، فرجع رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب فقال المشركون : قتلهم محمد في الشهر الحرام ، فأنزل الله تعالى الآية : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام } . فقال المشركون : إن لم يكن عليهم وزر فليس لهم أجر . فنزل : { إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَاجَرُواْ }