{ مُهْطِعِينَ } أي : مسرعين إلى إجابة الداعي حين يدعوهم إلى الحضور بين يدي الله للحساب لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ ، { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أي : رافعيها قد غُلَّتْ أيديهم إلى الأذقان ، فارتفعت لذلك رءوسهم ، { لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } أي : أفئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت إلى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق .
ثم بين - سبحانه - بعض أحوال هؤلاء الظالمين فى هذا اليوم العظيم فقال - تعالى - : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } .
والإِهطاع السير السريع . يقال : أهطع فلان فى مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع فى سيره بذلة واضطراب .
و { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أى رافعيها ، يقال : أهطع فلان رأسه ، إذا نصبه ورفعه دنون أن يلتفت يمينا أو شمالا . وقيل ، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها .
الأفئدة : جمع فؤاد ، والمراد بها القلوب .
والمعنى : أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم فى هذا اليوم مسرعين إلى الداعى بذلة واستكانة ، كإسراع الأسير الخائف ، رافعى رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شئ .
{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أى : لا تتحرك أجفان عيونهم ، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه فى هذا اليوم العصيب .
{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } أى : وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم ، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة ، ومنه قولهم فى شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء ، أى لا رأى فيه ولا قوة .
وأفرد هواء وإن كان خبرا عن جمع لأنه فى معنى فارغة أو خالية .
قال - تعالى - { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً . . . } أى خاليا من كل شئ إلا من التفكير فى شأن مصير ابنها موسى - عليه السلام - .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء الظالمين فى هاتين الآيتين بجملة من الصفات الدالة على فزعهم وحيرتهم .
وصفهم أولا بشخوص الأبصار ، ووصفهم ثانيا بالإِسراع إلى الداعى فى ذلة وانكسار ، ووصفهم ثالثا برفع رءوسهم فى حيرة واضطراب ، ووصفهم رابعا : بانفتاح عيونهم دون أن تطرف من شدة الوجل ، ووصفهم خامسا بخلو قلوبهم من إدارك أى شئ بسبب ما اعتراهم من دهشة ورعب .
وقوله - سبحانه - : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } من باب التشبيه البليغ الذى حذفت فيه الأداة ، والتقدير : وقلوبهم كالهواء فى الخلو من الإدراك من شدة الهول .
ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال : { مُهْطِعِينَ } أي : مسرعين ، كما قال تعالى : { مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ] {[15987]} } [ القمر : 8 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا } إلى قوله : { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } [ طه : 198 - 111 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [ المعارج : 43 ] .
وقوله : { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد : رافعي رءوسهم .
{ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أي : [ بل ]{[15988]} أبصارهم طائرة شاخصة ، يديمون النظر لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة{[15989]} لما يحل بهم ، عياذًا بالله العظيم من ذلك ؛ ولهذا قال : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } أي : وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة [ الفزع و ]{[15990]} الوجل والخوف . ولهذا قال قتادة وجماعة : إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف . وقال بعضهم : { هَوَاءٌ } خراب لا تعي{[15991]} شيئا .
ولشدة ما أخبر الله تعالى [ به ]{[15992]} عنهم ، قال لرسوله : { وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ } .
{ مُهطعين } أي مسرعين إلى الداعي ، أو مقبلين بأبصارهم لا يطوفون هيبة وخوفا ، وأصل الكلمة هو الإقبال على الشيء . { مُقنعي رؤوسِهم } رافعيها . { لا يرتدّ إليهم طرفهم } بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف ، أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم . { وأفئدتهم هواء } خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ، ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير :
من الظلمان جؤجؤه هواء *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.