المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

72- والله جعل لكم من جنس أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل لكم من أزواجكم بنين وأبناء بنين ، ورزقكم ما أباحه لكم مما تطيب به نفوسكم . أبعد ذلك يشرك به بعض الناس ؟ فيؤمنون بالباطل ، ويجحدون نعمة الله المشاهدة ، وهي التي تستحق منهم الشكر ، وإخلاص العبادة لله{[115]} .


[115]:الزواج رابطة مقدسة، وهو أصل الأسرة التي هي نواة الأمة والمجتمع، والزواج ظاهرة من ظواهر التنظيم لفطرة أودعت في الإنسان كما أودعت في غيره من أنواع الحيوان، ولولا الزواج الذي هو تنظيم مقدرة الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوي الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان في سبيل تلبية الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع، وعندئذ لا يكون الإنسان ذلك المخلوق الذي سواه الله وأودع فيه العقل والفكر، وفضله على كثير من خلقه واستخلفه في الأرض. وإذا كان الوضع الإلهي للإنسان في هذه الحياة يقضي بتنظيم الفطرة الخاصة بالزواج سموا به عن فوضى الحيوان، فإن الإنسان من جهة أخرى مطبوع على حب البقاء، وإذا كان لا سبيل له إلى بقائه بذاته وهو مؤمن بذلك من صنع الله في آبائه وأجداده وسائر الأحياء، فإنه يرى أن سبيله إلى البقاء إنما هو نسله المعروف، بحيث يراه امتدادا لبقائه واستمرارا وخلودا. ولعل من أضح ما يملأ فطرته به قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات}.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

{ 72 } { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده ، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها ، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم ، ويقضون حوائجهم ، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة ، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب ، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها .

{ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، أي : أيؤمنون بالباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا ، ثم أوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم ، فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الأمر شيئا ، وهذا عام لكل ما عبد من دون الله ، فإنها باطلة ، فكيف يتخذها المشركون من دون الله ؟ "

{ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، يجحدونها ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به ، هل هذا إلا من أظلم الظلم وأفجر الفجور وأسفه السفه ؟ . "

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

ثم ذكرت السورة الكريمة بعد ذلك نعمة أخرى من نعم الله - تعالى - على الناس ، فقال - تعالى - : { والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } .

أي : والله - تعالى - هو وحده الذي جعل لكم { من أنفسكم } ، أي : من جنسكم ونوعكم { أزواجا } لتسكنوا إليها ، وتستأنسوا بها ، فإن الجنس إلى الجنس آنس وأسكن .

قال - تعالى - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً . . . } قال الإِمام ابن كثير : " يذكر - تعالى - نعمه على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا ، أي : من جنسهم وشكلهم ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة ، ولكن من رحمته أنه خلق من بني آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإِناث أزواجا للذكور . . . " .

وقوله - سبحانه - : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، بيان لنعمة أخرى من نعمه - تعالى - والحفدة : جمع حافد ، يقال : حفد فلان ، يحفد حفدا : من باب ضرب ، إذا أسرع فى خدمة غيره وطاعته . ومن دعاء القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ، أي : نسرع في طاعتك ياربنا . والمراد بالحفدة : أبناء الأبناء . روي عن ابن عباس أنه قال : الحفيد : ولد الابن والبنت ، ذكرا كان أو أنثى . وقيل : المراد بهم : الخدم والأعوان ، وقيل : المراد بهم : الأَختان والأصهار ، أي : أزواج البنات وأقارب الزوجة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

يذكر تعالى نعمه{[16575]} على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم [ وزيهم ]{[16576]} ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ، لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور .

ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم : أولاد البنين . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وابن زيد .

قال شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، هم : الولد ، وولد الولد .

وقال سُنَيْد : حدثنا حجاج عن أبي بكر ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، قال : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك . قال جميل :

حفَد الولائد حَوْلهُن وأسلمت *** بِأكُفِّهن أزِمَّةَ الأجْمَال{[16577]}

وقال مجاهد : { بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، ابنه وخادمه . وقال في رواية : الحفدة : الأنصار والأعوان والخدام .

وقال طاوس : الحفدة : الخدم{[16578]} ، وكذا قال قتادة ، وأبو مالك ، والحسن البصري .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة أنه قال : الحفدة : مَنْ خَدَمَك من ولدك وولد ولدك{[16579]} .

قال الضحاك : إنما كانت العرب يخدمها بنوها .

وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، يقول : بنو امرأة الرجل ، ليسوا منه . ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا قال : ويزعم{[16580]} رجال أن الحفدة : أخْتَان الرجل .

وهذا [ القول ]{[16581]} الأخير الذي ذكره ابن عباس ، قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وأبو الضُّحى ، وإبراهيم النَّخَعيّ ، وسعيد بن جُبَيْر ، ومجاهد ، والقُرَظي . ورواه عكرمة ، عن ابن عباس .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هم الأصهار .

قال ابن جرير : وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى : " الحَفْد " ، وهو : الخدمة ، الذي منه قوله في القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ، ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم{[16582]} ، فالنعمة حاصلة بهذا كله ؛ ولهذا{[16583]} قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } .

قلت : فمن جعل : { وَحَفَدَةً } ، متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ؛ لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال{[16584]} الشعبي والضحاك ، فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجْره وفي خدمته . وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] {[16585]} والسلام في حديث بَصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود{[16586]} .

وأما من جعل الحَفَدة هم الخدم ، فعنده أنه معطوف على قوله : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد{[16587]} .

{ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } ، من المطاعم والمشارب .

ثم قال تعالى منكرا على من أشرك في عبادة المنعم غيره : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } ، وهم{[16588]} : الأصنام والأنداد ، { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ، أي : يسترون نعم الله عليهم ، ويضيفونها إلى غيره .

وفي الحديث الصحيح : " إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه " ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتَرْبع{[16589]} ؟ " {[16590]} .


[16575]:في ف، أ: "نعمته".
[16576]:زيادة من ت، ف، أ.
[16577]:البيت في تفسير الطبري (14/ 98) ونسبه لحميد.
[16578]:في ت: "الخدام".
[16579]:تفسير عبد الرزاق (1/ 309).
[16580]:في ف: "وزعم".
[16581]:زيادة من أ.
[16582]:في ت، ف: "والخدم".
[16583]:في ف: "لهذا".
[16584]:في ت، ف: "قاله".
[16585]:زيادة من ف، أ.
[16586]:سنن أبي داود برقم (2131).
[16587]:في أ: "وجعل لكم خدامًا".
[16588]:في ت: "وهو".
[16589]:في ت، ف: "وترتع".
[16590]:رواه مسلم في صحيحه برقم (2968) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } ، أي : من جنسكم لتأنسوا بها ، ولتكون أولادكم مثلكم . وقيل : هو خلق حواء من آدم . { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، وأولاد أولاد أو بنات ، فإن الحافد : هو المسرع في الخدمة ، والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة . وقيل : هم : الأختان على البنات . وقيل الربائب ، ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم ، والعطف لتغاير الوصفين . { ورزقكم من الطيبات } ، من اللذائذ أو الحلالات ، و{ من } ، للتبعيض ، فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها . { أفبالباطل يؤمنون } ، وهو : أن الأصنام تنفعهم ، أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب . { وبنعمة الله هم يكفرون } ، حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام ، أو حرموا ما أحل الله لهم ، وتقديم الصلة على الفعل : إما للاهتمام أو لإيهام التخصيص مبالغة ، أو للمحافظة على الفواصل .