فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ( 72 ) } .

ثم ذكر سبحانه الحالة الأخرى من أحوال الإنسان ، فقال : { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } ، قال المفسرون : يعني : النساء ، فإنه خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام . قال قتادة : خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، أو المعنى : خلق لكم من جنسكم أزواجا ؛ لتستأنسوا بها ؛ لأن الجنس يأنس إلى جنسه ، ويستوحش من غير جنسه ، وبسبب هذه الأنسة يقع بين الرجال والنساء ما هو سبب للنسل ، الذي هو المقصود بالزواج ، ولم يذكر البنات لكراهيتهم لهن ، فلم يمتن عليهم إلا بما يحبونه ، ولهذا قال : { وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } ، جمع حافد ، يقال : حفد يحفد حفدا وحفودا ، إذا أسرع ، فكل من أسرع في الخدمة فهو : حافد ، ومنه : إليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع إلى طاعتك .

قال أبو عبيدة : الحفد : العمل والخدمة ، وهذا أصله في اللغة ، قال الخليل ابن أحمد : الحفدة عند العرب : الخدم والأعوان . وبه قال الحسن وعكرمة والضحاك . وقال الأزهري : قيل الحفدة : أولاد الأولاد ، وروي هذا عن ابن عباس ، والحفيد ولد الابن ذكرا كان أو أنثى ، وولد البنت كذلك .

وتخصيصه بولد الذكر ، وتخصيص ولد الأنثى بالسبط ، عرف طارئ على أصل اللغة ، وقيل : الحفدة : الأختان ، قاله ابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو الضحى ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وقيل : الحفدة : الأصهار .

قال الأصمعي : الختن : من كان من قبل المرأة ، كابنها ، وأخيها ، وما أشبههما ، والأصهار منهما جميعا ، يقال ، أصهر فلان إلى بني فلان ، فهو : صاهر ، وقيل : هم : أولاد امرأة الرجل من غيره ، وقيل : أولاد الرجل الذين يخدمونه ، وقيل البنات الخادمات لأبيهن .

وكل هذه الأقوال متقاربة ؛ لأن اللفظ يحتمل الكل ، بحسب المعنى المشترك ؛ ورجح كثير من العلماء أنهم : أولاد الأولاد ؛ لأنه سبحانه امتن على عباده ، بأن جعل لهم من الأزواج بنين وحفدة ، فالحفدة في الظاهر معطوفون على البنين ، وإن كان يجوز أن يكون المعنى : جعل لكم من أزواجكم بنين وجعل لكم حفدة ، ولكن لا يمتنع على هذا المعنى الظاهر أن يراد بالبنين من لا يخدم ، وبالحفدة من يخدم الأب منهم ، أو يراد بالحفدة البنات فقط ، ولا يفيد أنهم أولاد الأولاد ، إلا إذا كان تقدير الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة .

{ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } ، التي تستطيبونها وتستلذونها من أنواع الأثمار ، والحبوب ، والحيوان ، والأشربة المستطابة الحلال من ذلك كله ، و " من " للتبعيض ؛ لأن الطيبات لا تكون مجتمعة إلا في الجنة ، والمرزوق في الدنيا أنموذج منها .

ثم ختم سبحانه الآية بقوله : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } ، الاستفهام للإنكار التوبيخي ، والفاء للعطف على مقدر ، أي : أيكفرون بالله فيؤمنون بالباطل ، وفي تقديم بالباطل على الفعل ؛ دلالة على أنه ليس لهم إيمان إلا به ، والباطل : هو : اعتقادهم في أصنامهم أنها تضر وتنفع ، وقيل : هو : ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة ونحوهما .

{ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ } ، أي : ما أنعم به عليهم مما لا يحيط به حصر ، { هُمْ يَكْفُرُونَ } ، بإضافتها إلى غيره ، وفي تقديم النعمة ، وتوسيط ضمير الفصل ، دليل على أن كفرهم مختص بذلك لا يتجاوزه ؛ لقصد المبالغة والتأكيد ، وعن ابن جريج : الباطل : هو : الشيطان ، ونعمة الله : هو : محمد صلى الله عليه وآله وسلم .