الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

قوله تعالى : { وَحَفَدَةً } ، في " حَفَدَة " أوجهٌ : أظهرُها : أنه معطوفٌ على " بنين " بقيدِ كونِه من الأزواج ، وفُسِّر هنا بأنه أولادُ الأولادِ . الثاني : أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ ، أي : جَعَلَ لكم بنينَ خَدَماً ، والحَفَدَةُ : الخَدَمُ . الثالث : أنه منصوبٌ ب " جَعَلَ " مقدرةً ، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار ، وإنما احتيج إلى تقدير " جَعَلَ " ؛ لأنَّ " جَعَلَ " الأولى مقيدةٌ بالأزواج ، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج .

والحَفَدَةُ : جمع حافِد ، كخادِم وخَدَم . وفيه للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم : حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً ، أي : أسرع في الطاعة . وفي الحديث : " وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ " ، أي : نُسْرِعِ في طاعتِك . قال الأعشى :

كَلَّفْتُ مجهولَها نُوقاً يَمانيةً *** إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا

وقال الآخر :

حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ *** بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ

ويستعمل " حَفَدَ " أيضاً متعدياً . يقال : حَفَدَني فهو حافِدٌ ، وأُنْشِد :

يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ *** كَرَماً ذلك منهم غيرَ ذُلّْ

وحكى أبو عبيدة أنه يقال : " أَحْفَدَ " رباعياً . وقال بعضهم : " الحَفَدَةُ : الأَصْهار ، وأنشد :

فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ *** لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ

ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ *** عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْورُ

ويقال : سيفٌ مُحْتَفِدٌ ، أي : سريعُ القطع . وقال الأصمعيُّ : " أصلُ الحَفْدِ : مقارَبَةُ الخَطْوِ " .

و " مِنْ " في { مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } للتبعيض .