النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

قوله عز وجل : { والّلهُ جَعَل لكُم مِن أنفسِكم أزواجاً } ، فيه وجهان :

أحدهما : يعني : جعل لكم من جنسكم مثلكم ، فضرب المثل من أنفسكم ، قاله ابن بحر . الثاني : يعني آدم خلق منه حوّاء ، قاله الأكثرون . { وجعل لكم مِن أزواجكم بنين وحفدة } ، وفي الحفدة خمسة أقاويل :

أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود وأبو الضحى . وسعيد بن جبير وإبراهيم ، ومنه قول الشاعر{[1737]} :

ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت *** لها حَفَدٌ مما يُعَدّث كثيرُ

ولكنها نفس عليَّ أبيّة *** عَيُوفٌ لأَصهارِ للئام قَذور

الثاني : أنهم أولاد الأولاد ، قاله ابن عباس .

الثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً .

الرابع : أنهم الأعوان ، قاله الحسن .

الخامس : أنهم الخدم ، قاله مجاهد وقتادة وطاووس ، ومنه قول جميل :

حفد الولائدُ حولهم وأسلمت *** بأكفهن أزِمّةَ الأجمال

وقال طرفة بن العبد :

يحفدون الضيف في أبياتهم *** كرماً ذلك منهم غير ذل

وأصل الحفد : الإسراع ، والحفدة جمع حافد ، والحافد هو المسرع في العمل ، ومنه قولهم في القنوت : وإليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع إلى العمل بطاعتك ، منه قول الراعي{[1738]} :

كلفت مجهولها نوقاً ثمانية *** إذا الحُداة على أكسائها{[1739]} حفدوا

وذهب بعض العلماء في تفسير قوله تعالى : { بنين وحفدة } ، [ إلى أن ] البنين : الصغار ، والحفدة : الكبار{[1740]} . { ورزقكم من الطيبات } ، فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : من الفيء والغنيمة .

الثاني : من المباحات في البوادي .

الثالث : ما أوتيه عفواً من غير طلب ولا تعب{[1741]} .

{ أفبالباطِل يؤمنون } ، فيه وجهان :

أحدهما : بالأصنام .

الثاني : يجحدون البعث والجزاء .

{ وبنعمة الله يكفرون } ، فيها وجهان :

أحدهما : بالإسلام .

الثاني : بما رزقهم الله تعالى من الحلال آفة من أصنامهم . حكاه الكلبي{[1742]} .


[1737]:هو جميل بن معمر المعروف بجميل بثينة وهو في من شعراء العصر الأموي وأحد المحبين المشهورين.
[1738]:نسبه القرطبي إلى الأعمش: انظر تفسيره 10/143.
[1739]:الأكساء: جمع كسي بالضم وهو مؤخر العجز.
[1740]:وظاهر اللغة أن البنين الأولاد، والحفدة أولادهم، وهو ما ذهب إليه ابن عباس، وأرجحه لدلالة اللغة عليه.
[1741]:والراجح أن الطيبات هي الثمار والحبوب والحيوان وكل ما خلقه الله للإنسان حلالا.
[1742]:سقط من ق.