تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

70

المفردات :

وحفدة : الحفدة : أولاد الأولاد ، من الحفد وهو الخفة في العمل والخدمة ، كما جاء في القنوت : وإليك نسعى ونحفد . روي عن ابن عباس أنه قال : الحفيد : ولد الابن والبنت ، ذكرا كان أو أنثى ، وقيل : المراد بهم : الأختان والأصهار ، أي : أزواج البنات وأقارب الزوجة ، وكلها أقوال متقاربة .

التفسير :

{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات . . . } .

خلق الله آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وزوجه حواء ، وجعل من نسل آدم وحواء ذرية كثيرة ، وشاء الله أن تكون الزوجة من جنس الرجل ؛ ليحدث الأنس والمودة والرحمة ، وقد جعل الله هذا الأنس والمودة والرحمة ، آية من آيات الله ، وبذلك يتنعم الزوجان ويذوقان عسيلة بعضهما ، قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }( الروم : 21 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( حبّب إلي من دنياكم ثلاث : النساء ، والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة )49 .

{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } .

نلمح هنا المساواة بين الرجال والنساء ، وقد كان بعض أهل الجاهلية يكره ولادة البنات ، ويتوارى خجلا إذا رزق بالبنات ، ويعتبر البنت مولودا غير مرغوب فيه ؛ فيمسكه على هون أو يدسه في التراب ، فلما جاء الإسلام ؛ كرم إنسانية الإنسان .

{ ولقد كرمنا بني آدم }( الإسراء : 70 ) ، وكرم المرأة وليدة ، وناشئة ، وزوجة ، وأمّاً ، فالمرأة من نفس الرجل ، وهي شقيقة الرجل ، وليست المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية ، قال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء }( النساء : 1 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( النساء شقائق الرجال )50 .

وقد جعل الله القوامة للرجل على زوجته ، مقابل النفقة والولاية والمسئولية عن الأسرة ، وهي ولاية مودة ورحمة وتعاطف ، لا ولاية غلظة وتجبر .

قال تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم . . . }( النساء : 34 ) .

قال الشيخ أحمد المراغى في تفسير المراغى :

{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } . أي : والله سبحانه جعل لكم أزواجا من جنسكم ، تأنسون بهن ، وتقوم بهن جميع مصالحكم ، وعليهن تدبير معايشكم ، وجعل لكم منهن بنين وحفدة أي : أولاد ، وأولاد أولاد يكونون زهرة الحياة الدنيا وزينتها ، وبهم التفاخر والتناصر والمساعدة لدى البأساء والضراء . اه .

{ ورزقكم من الطيبات } .

يمتنّ الله علينا بالأرزاق المتعددة في المأكل والمشرب والمنكح ، والهداية والملابس والمساكن ، وسائر الطيبات التي ينتفع بها الإنسان إلى أقصى الحدود وأبعد الغايات .

{ أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون } . أي : إن الله قد أنعم أهل مكة بالعديد من النعم ، التي أنعم بها على سائر البشر ، مثل : الأزواج ، والأبناء ، والأحفاد ، والطيبات من الرزق ، لكنهم يؤمنون بالأوثان والأنصاب ، والشركاء والأنداد ، التي لم تقدم لهم أي رزق ، ويكفرون ويجحدون نعم الله المتعددة عليهم ، فلا يقدمون له الشكر ، ولا يعترفون له بالألوهية والوحدانية ، وبأنه وحده الخالق الرازق ، الذي لا شريك له ، ، وقد استهل القرآن هذه الفقرة بالاستفهام الإنكاري : { أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون } . فيشركون به ويخالفون عن أمره ، وهذه النعم كلها من عطائه ، وهي آيات على ألوهيته ، وهي واقعة في حياتهم ، تلابسهم في كل آن .