المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

6- النبي - محمد - أحق ولاية بالمؤمنين ، وأرحم بهم من نفوسهم ، فعليهم أن يحبوه ويطيعوه ، وأزواجه أمهاتهم في التوقير وحرمة التزوج بهن بعده ، وذوو القرابات أولى من المؤمنين والمهاجرين بأن يتوارثوا فيما بينهم فرضا في القرآن . لكن يجوز أن تقدموا إلى مَنْ وَاليتم في الدين من غير الأقارب معروفاً ، فتعطوه - براً وعطفاً عليه - أو توصوا له بجزء من مالكم . كان ذلك التوارث بالأرحام في الكتاب مقررا لا يعتريه تبديل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

{ 6 } { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا }

يخبر تعالى المؤمنين ، خبرًا يعرفون به حالة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومرتبته ، فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة فقال : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أقرب ما للإنسان ، وأولى ما له نفسه ، فالرسول أولى به من نفسه ، لأنه عليه الصلاة والسلام ، بذل لهم من النصح ، والشفقة ، والرأفة ، ما كان به أرحم الخلق ، وأرأفهم ، فرسول اللّه ، أعظم الخلق مِنَّةً عليهم ، من كل أحد ، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير ، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر ، إلا على يديه وبسببه .

فلذلك ، وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس ، أو مراد أحد من الناس ، مع مراد الرسول ، أن يقدم مراد الرسول ، وأن لا يعارض قول الرسول ، بقول أحد ، كائنًا من كان ، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ، ويقدموا محبته على الخلق كلهم ، وألا يقولوا حتى يقول ، ولا يتقدموا بين يديه .

وهو صلى اللّه عليه وسلم ، أب للمؤمنين ، كما في قراءة بعض الصحابة ، يربيهم كما يربي الوالد أولاده .

فترتب على هذه الأبوة ، أن كان نساؤه أمهاتهم ، أي : في الحرمة والاحترام ، والإكرام ، لا في الخلوة والمحرمية ، وكأن هذا مقدمة ، لما سيأتي في قصة زيد بن حارثة ، الذي كان قبل يُدْعَى : " زيد بن محمد " حتى أنزل اللّه { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } فقطع نسبه ، وانتسابه منه ، فأخبر في هذه الآية ، أن المؤمنين كلهم ، أولاد للرسول ، فلا مزية لأحد عن أحد وإن انقطع عن أحدهم انتساب الدعوة ، فإن النسب الإيماني لم ينقطع عنه ، فلا يحزن ولا يأسف .

وترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين ، أنهن لا يحللن لأحد من بعده ، كما الله صرح{[4]}  بذلك : " وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا "

{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ } أي : الأقارب ، قربوا أو بعدوا { بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [ أي ]{[5]} : في حكمه ، فيرث بعضهم بعضًا ، ويبر بعضهم بعضًا ، فهم أولى من الحلف والنصرة .

والأدعياء الذين كانوا من قبل ، يرثون بهذه الأسباب ، دون ذوي الأرحام ، فقطع تعالى ، التوارث بذلك ، وجعله للأقارب ، لطفًا منه وحكمة ، فإن الأمر لو استمر على العادة السابقة ، لحصل من الفساد والشر ، والتحيل لحرمان الأقارب من الميراث ، شيء كثير .

{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } أي : سواء كان الأقارب مؤمنين مهاجرين وغير مهاجرين ، فإن ذوي الأرحام مقدمون في ذلك ، وهذه الآية حجة على ولاية ذوي الأرحام ، في جميع الولايات ، كولاية النكاح ، والمال ، وغير ذلك .

{ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } أي : ليس لهم حق مفروض ، وإنما هو بإرادتكم ، إن شئتم أن تتبرعوا لهم تبرعًا ، وتعطوهم معروفًا منكم ، { كَانَ } ذلك الحكم المذكور { فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا } أي : قد سطر ، وكتب ، وقدره اللّه ، فلا بد من نفوذه .


[4]:- في ب: وأنزله.
[5]:- زيادة من هامش ب، مشطوبة من أ.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

ثم بين - سبحانه - ما يجب على المؤمنين نحو نبيهم صلى الله عليه وسلم ونحو أزواجه ، وما يجب للأقارب فيها بينهم ، فقال - تعالى - : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ . . . } .

أى : النبى صلى الله عليه وسلم أحق بالمؤمنين بهم من أنفسهم وأولى فى المحبة والطاعة ، فإذا ما دعاهم إلى أمر ، ودعتهم أنفسهم إلى خلافه ، وجب أن يؤثروا ما دعاهم إليه ، على ما تدعوهم إليه أنفسهم ، لأنه صلى الله علي وسلم لا يدعوهم إلا إلى ما ينفعهم ، أما أنفسهم فقد تدعوهم إلى ما يضرهم .

وفى الحديث الصحيح الذى رواه الإِمام مسلم عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن مثلى ومثل أمتى ، كمثل رجل استوقد نارا ، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه - أى فى الشئ المستوقد - وأنا آخذ بِحُجزكم - أى : وأنا آخذ بما يمنعكم من السقوط كملابسكم ومعاقد الإِزار - وأنتم تقحمون فيه " أى : وأنتم تحاولون الوقوع فيما يحرقكم - . قال القرطبى : قال العلماء : الحجزة : السراويل ، والمعقد للإِزار ، فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه ، وهذا مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم فى نجاتنا ، وحرصه على تخليصنا من الهلكات التى بين أيدينا ، فهو أولى بنا من أنفسنا .

وقال الإِمام ابن كثير . قد علم الله - تعالى - شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، ونصحه لهم : فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم .

وفى الصحيح " والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين " .

وروى البخارى عن هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة . اقرءوا إن شئتم : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى فأنا مولاه " .

وروى الإِمام أحمد عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك دينا فإلى ، ومن ترك مالا فلورثته " .

وقال الآلوسى : وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فى حق المؤمنين ، يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وحكمه - عليه الصلاة والسلام - عليهم أنفذ من حكمها ، وحقه آثر لديهم من حقوقها ، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها .

وسبب نزول الآية - على ما قيل - ما روى من أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك ، فأمر الناس بالخروج : فقال أناس منهم : نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنلزت . ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم ، فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى .

ثم بين - سبحانه - منزلة أزواجه صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمؤمنين فقال : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أى : وأزواجه صلى الله عليه وسلم بمنزلة أمهاتكم - أيها المؤمنون - فى الاحترام والإِكرام ، وفى حرمة الزواج بهن .

قالوا : وأما ما عدا ذلك كالنظر إليهن ، والخلوة بهن ، وإرثهن . فهن كالأجنبيات .

ثم بين - سبحانه - أن التوارث إنما يكون بين الأقارب فقال - تعالى - { وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله مِنَ المؤمنين والمهاجرين إِلاَّ أَن تفعلوا إلى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الكتاب مَسْطُوراً } .

والمراد بأولى الأرحام : الأقارب الذين تربط بينهم رابطة الرحم كالآباء والأبناء والإِخوة ، والأخوات .

وقوله : { فِي كِتَابِ الله } متعلق بقوله { أولى } أو بمحذوف على أنه حال من الضمير فى { أولى } .

والمراد بالمؤمنين والمهاجرين . من لا تربط بينهم وبين غيرهم رابطة قرابة .

قال ابن كثير : وقد أورد ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام قال : أنزل الله - عز وجل - فينا خاصة معشر قريش والأنصار : { وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } وذلك أنا معشر قريش ، لما قدمنا المدينة قدمناه ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإِخوان ، فواخيناهم ووارثناهم . . حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا .

وشبيه بهذه الآية فى وجوب أن يكون التوارث بحسب قرابة الدم ، قوله - تعالى - فى آخر آية من سورة الأنفال : { والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فأولئك مِنكُمْ وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } والاستثناء فى قوله - سبحانه - : { إِلاَّ أَن تفعلوا إلى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } رجح بعضهم أنه استثناء منقطع . وقوله { أَن تفعلوا } مبتدأ ، وخبره محذوف .

والمراد بالكتاب فى قوله { كَانَ ذَلِكَ فِي الكتاب مَسْطُوراً } القرآن الكريم ، أو اللوح المحفوظ .

والمعنى : وأولو الأرحام وهم الأقارب ، بعضهم أولى ببعض فى التوارث فيما بينهم ، وفى تبادل المنافع بعضهم مع بعض ، وهذه الأولية والأحقية ثابتة فى كتاب الله - تعالى - حيث بين لكم فى آيات المواريث التى بسورة النساء ، كيفية تقسيم التركة بين الأقارب ، وهم بهذا البيان أولى فى ميراث الميت من المؤمنين والمهاجرين الذين لا تربطهم بالميت صلة القرابة .

هذا هو حكم الشرع فيما يتعلق بالتوارث ، لكن إذا أردتم - أيها المؤمنون - أن تقدموا إلى غير أقاربكم من المؤمنين معروفا ، كأن توصوا له ببعض المال فلا بأس ، ولا حرج عليكم فى ذلك .

وهذا الحكم الذى بيناه لكم فيما يتعلق بالتوارث بين الأقارب ، كان مسطورا ومكتوبا فى اللوح المحفوظ ، وفى آيات القرآن التى سبق نزولها ، فاعملوا بما شرعناه لكم ، واتركوا ما نهيناكم عنه .

قال الشوكانى ما ملخصه : قوله : { إِلاَّ أَن تفعلوا إلى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } هذا الاستثناء إما متصل من أعم العام ، والتقدير : وأولو الأرحام بعضهم اولى ببعض فى كل شئ من الإِرث وغيره ، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ، من صدقة أو وصية ، فإن ذلك جائز .

وإما منقطع . والمعنى : لكن فعل المعروف للأولياء لا بأس به .

والإِشارة بقوله : { كَانَ ذَلِكَ } تعود إلى ما تقدم ذكره . أى : كان نسخ الميراث بالهجرة والمخالفة والمعاقدة ، ورده إلى ذوى الأرحام من القرايات { فِي الكتاب مَسْطُوراً } أى : فى اللوح المحفوظ ، أو فى القرآن مكتوبا .

وبذلك نرى الآية الكريمة قد وضحت ما يجب على المؤمنين نحو نبيهم ، وما يجب عليهم نحو أزواجه ، وما يجب عليهم نحو أقاربهم فيما يتعلق بالتوارث .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

ولهذا قال تعالى في هذه الآية : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } .

وقال البخاري عندها : {[23214]} حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا [ محمد بن ] {[23215]} فُلَيح ، حدثنا أبي ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرَة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة . اقرؤوا إن شئتم : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } ، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عَصَبَتُه مَن كانوا . فإن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا ، فليأتني فأنا مولاه » . تفرد به البخاري{[23216]} .

ورواه أيضا في " الاستقراض " وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طرق ، عن فليح ، به مثله{[23217]} . ورواه الإمام أحمد ، من حديث أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه{[23218]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزهري في قوله تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فأيما رجل مات وترك دينا ، فإلي . ومَنْ ترك مالا فلورثته " {[23219]} . ورواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل{[23220]} ، به نحوه .

وقوله : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي : في الحرمة والاحترام ، والإكرام والتوقير والإعظام ، ولكن لاتجوز الخلوة بهن ، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع ، وإن سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين ، كما هو منصوص الشافعي في المختصر ، وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم . وهل يقال لمعاوية وأمثاله : خال المؤمنين ؟ فيه قولان للعلماء . ونص الشافعي على أنه يقال ذلك . وهل يقال لهن : أمهات المؤمنات ، فيدخل النساء{[23221]} في جمع المذكر السالم تغليبا ؟ فيه قولان : صح عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لا يقال ذلك . وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي ، رحمه الله . {[23222]}

وقد روي عن أُبي بن كعب ، وابن عباس أنهما قرآ : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " ، وروي نحو هذا عن معاوية ، ومجاهد ، وعِكْرِمة ، والحسن : وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي . حكاه البغوي وغيره ، واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود :

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا ابن المبارك ، عن محمد بن عَجْلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعَلِّمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ولا يستطب بيمينه " ، وكان يأمر بثلاثة أحجار ، وينهى عن الروث والرمة .

وأخرجه النسائي وابن ماجه ، من حديث ابن عجلان{[23223]} .

والوجه الثاني : أنه لا يقال ذلك ، واحتجوا بقوله : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } : وقوله : { وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } أي : في حكم الله { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } أي : القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار . وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم ، كما قال ابن عباس وغيره : كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته{[23224]} وذوي رحمه ، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا قال سعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف والخلف .

وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام ، رضي الله عنه ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي - من ساكني بغداد - عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير بن العوام قال : أنزل الله ، عز وجل ، فينا خاصة معشر قريش والأنصار : { وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } ، وذلك أنا معشر قريش لما قَدمنا المدينة ، {[23225]} قَدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نِعْمَ الإخوانُ ، فواخيناهم ووارثناهم . فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلانا ، وآخى عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلا من بني زُرَيق ، سعد الزرقي ، ويقول بعض الناس غيره . قال الزبير : وواخيت أنا كعب بن مالك ، فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى ، فوالله يا بني ، لو مات يومئذ عن الدنيا ، ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا .

وقوله : { إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } أي : ذهب الميراث ، وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية .

وقوله : { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا } أي : هذا الحكم ، وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول ، الذي لا يبدل ، ولا يغير . قاله مجاهد وغير واحد . وإن كان قد يقال{[23226]} : قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في قدره الأزلي{[23227]} ، وقضائه القدري الشرعي .


[23214]:- في ف ، ت ، أ: "عند هذه الآية الكريمة".
[23215]:- زيادة من ت ، ف ، أ ، والبخاري.
[23216]:- صحيح البخاري برقم (4781).
[23217]:- صحيح البخاري برقم (2399) وتفسير الطبري (21/77).
[23218]:- المسند (2/334).
[23219]:- في ف: "فهو لورثته".
[23220]:- المسند (3/296) وسنن أبي داود برقم (2956).
[23221]:- في ف ، أ: "فيدخل النساء فيه".
[23222]:- في ت: "رضي الله عنه".
[23223]:- سنن أبي داود برقم وسنن النسائي (1/38) وسنن ابن ماجه برقم (313).
[23224]:- في ت: "أقاربه".
[23225]:- في ت: "لما قدمنا إلى المدينة".
[23226]:- في ت ، ف: "وإن كان تعالى".
[23227]:- في ت: "إلى ما هو جار في قدره الأول" ، وفي ف: "إلى هو جار في قدره الأزلي".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { النّبِيّ أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىَ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاّ أَن تَفْعَلُوَاْ إِلَىَ أَوْلِيَآئِكُمْ مّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً } .

يقول تعالى ذكره : النبيّ محمد أولى بالمؤمنين ، يقول : أحقّ بالمؤمنين به من أنفسهم ، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم ، فيجوز ذلك عليهم . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد النّبِيّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ كما أنت أولى بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز ، كما كلما قضيت على عبدك جاز .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد النّبِيّ أولى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ قال : هو أب لهم .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا فليح ، عن هلال بن عليّ ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما مِنْ مُؤْمِنٍ إلاّ وأنا أوْلَى النّاسِ بِهِ فِي الدّنْيا والاَخِرَةِ ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ النّبِيّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأيّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَعَصَبَتِهِ مَنْ كانُوا ، وَإنْ تَرَكَ دَيْنا أوْ ضِياعا فَلْيأْتِني وأنا مَوْلاهُ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسن بن عليّ ، عن أبي موسى إسرائيل بن موسى ، قال : قرأ الحسن هذه الاَية النّبِيّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهمْ ، وأزْوَاجُهُ أمّهاتُهُمْ قال : قال الحسن : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أنا أوْلَى بكُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِه » قال الحسن : وفي القراءة الأولى : «أوْلَى بالمُؤْمنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ ، وَهُوَ أبٌ لَهُمْ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال في بعض القراءة : «النّبِيّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ » وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «أيّمَا رَجُلٍ تَرَكَ ضِياعا فَأنا أوْلَى بِهِ ، وَإنْ تَرَكَ مالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ » .

وقوله : وأزْوَاجُهُ أمّهاتُهُمْ يقول : وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم ، في أنهن يحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته ، كما يحرمُ عليهم نكاح أمهاتهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة النّبِيّ أولَى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ ، وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ يعظّم بذلك حقهنّ ، وفي بعض القراءة : «وَهُوَ أبٌ لَهُمْ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ محرّمات عليهم .

وقوله : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُهاجِرِينَ يقول تعالى ذكره : وأولوا الأرحام الذين وَرّثْتُ بعضهم من بعض ، هم أولى بميراث بعض من المؤمنين والمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا ، بالهجرة والإيمان دون الرحم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى ببَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجرِينَ لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة ، والأعرابيّ المسلم لا يرث من المهاجرين شيئا ، فأنزل الله هذه الاَية ، فخلط المؤمنين بعضهم ببعض ، فصارت المواريث بالملل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنينَ والمُهاجِرِينَ إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد آخَى بين المهاجرين والأنصار أوّل ما كانت الهجرة ، وكانوا يتوارثون على ذلك ، وقال الله وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ ممّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْربُونَ والّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ ، فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قال : إذا لم يأت رحم لهذا يحول دونهم ، قال : فكان هذا أوّلاً ، فقال الله : إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائكُمْ مَعْرُوفا يقول : إلاّ أن تُوصُوا لهم كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسْطُورا أنّ أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، قال : وكان المؤمنون والمهاجرون لا يتوارثون إن كانوا أولي رحم ، حتى يهاجروا إلى المدينة ، وقرأ قال الله : وَالّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا . . . إلى قوله وَفَسادٌ كَبِيرٌ ، فكانوا لا يتوارثون ، حتى إذا كان عام الفتح ، انقطعت الهجرة ، وكثر الإسلام ، وكان لا يُقْبل من أحد أن يكون على الذي كان عليه النبيّ ومن معه إلاّ أن يهاجر قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن بَعَث : «اغْدُوا عَلى اسْمِ اللّهِ لا تَغُلّوا وَلا تُوَلّوا ، ادْعُوهُمْ إلى الإسْلامِ ، فإنْ أجابُوكُمْ فاقْبَلُوا وَادْعُوهُمْ إلى الهِجْرَةِ ، فإنْ هاجَرُوا مَعَكُمْ ، فَلَهُمْ ما لَكُمْ ، وَعَلَيْهِمْ ما عَلَيْكُمْ ، فإنْ أبَوْا ولَمْ يُهاجِرُوا وَاخْتارُوا دَارَهُمْ فَأقِرّوهُمْ فِيها ، فَهُمْ كالأعْرابِ تَجْرِي عَلَيْهمْ أحْكامُ الإسْلامِ ، ولَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا الفَيْءِ نَصِيبٌ » . قال : فلما جاء الفتح ، وانقطعت الهجرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ » وكثر الإسلام ، وتوارث الناس على الأرحام حيث كانوا ، ونسخ ذلك الذي كان بين المؤمنين والمهاجرين ، وكان لهم في الفيء نصيب ، وإن أقاموا وأبَوا ، وكان حقهم في الإسلام واحد ، المهاجر وغير المهاجر والبدوي وكلّ أحد ، حين جاء الفتح .

فمعنى الكلام على هذا التأويل : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين ببعضهم أن يرثوهم بالهِجرة ، وقد يحتمل ظاهر هذا الكلام أن يكون من صلة الأرحام من المؤمنين والمهاجرين ، أوْلى بالميراث ، ممن لم يؤمن ، ولم يهاجر .

وقوله : إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : إلاّ أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن حجّاج ، عن سالم ، عن ابن الحنفية إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا قالوا : يوصي لقرابته من أهل الشرك .

قال : ثنا عبدة ، قال : قرأت على ابن أبي عروبة ، عن قتادة إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا قال : للقرابة من أهل الشرك وصية ، ولا ميراث لهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا قال : إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية ، ولا ميراث لهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ويحيى بن آدم ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرِمة إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا قال : وصية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني محمد بن عمرو ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : ما قوله إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا فقال : العطاء ، فقلت له : المؤمن للكافر بينهما قرابة ؟ قال : نعم عطاؤه إياه حباء ووصية له .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلاّ أن تمسكوا بالمعروف بينكم بحقّ الإيمان والهجرة والحلف ، فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا قال : حلفاؤكم الذين والى بينهم النبيّ صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن توصوا إلى أوليائكم من المهاجرين وصية . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا يقول : إلاّ أن توصوا لهم .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : معنى ذلك إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخَى بينهم وبينكم من المهاجرين والأنصار ، معروفا من الوصية لهم ، والنصرة والعقل عنهم ، وما أشبه ذلك ، لأن كلّ ذلك من المعروف الذي قد حثّ الله عليه عباده .

وإنما اخترت هذا القول ، وقلت : هو أولى بالصواب من قيل من قال : عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك ، لأن القريب من المشرك ، وإن كان ذا نسب فليس بالمولى ، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك ، وقد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا منهم وليا بقوله : لا تَتّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أوْلِياءَ وغير جائز أن ينهاهم عن اتخاذهم أولياء ، ثم يصفهم جلّ ثناؤه بأنهم لهم أولياء . وموضع «أن » من قوله إلاّ أنْ تَفْعَلُوا نصب على الاستثناء . ومعنى الكلام : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ، إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين ليسوا بأولِي أرحام منكم معروفا .

وقوله : كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسْطُورا يقول : كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله : أي في اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا ، كما قال الراجز :

*** في الصّحُفِ الأُولى التي كانَ سَطَرْ ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسْطُورا : أي أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

وقال آخرون : معنى ذلك : كان ذلك في الكتاب مسطورا : لا يرث المشرك المؤمن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

{ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس ، فلذلك أطلق فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها . روي أنه عليه الصلاة والسلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت . وقرئ " وهو أب لهم " أي في الدين فإن كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون أخوة { وأزواجه أمهاتهم } منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك فكما الأجنبيات ، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها : لسنا أمهات النساء { وأولوا الأرحام } وذوو القرابات . { بعضهم أولى ببعض } في التوارث وهو نسخ لما كان في صدر الإسلام في التوارث بالهجرة والموالاة في الدين . { في كتاب الله } في اللوح أو فيما أنزل ، وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيم فرض الله . { من المؤمنين والمهاجرين } بيان لأولي الأرحام ، أو صلة لأولي أي أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة . { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } استثناء من أعم ما يقدر الأولوية فيه من النفع والمراد بفعل المعروف التوصية أو منقطع { وكان ذلك في الكتاب مسطورا } كان ما ذكر في الآيتين ثابتا في اللوح أو القرآن . وقيل في التوراة .