إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

{ النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي في كلِّ أمرٍ من أمورِ الدِّينِ والدُّنيا كما يشهدُ به الإطلاقُ فيجبُ عليهم أنْ يكونَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أحبَّ إليهم من أنفسِهم وحكمُه أنفذَ عليهم من حكمِها وحقُّه آثرَ لديهم من حقوقِها وشفقتُهم عليه أقدمَ من شفقتِهم عليها . رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أراد غزوةَ تبوكَ فأمرَ الناس بالخُروجِ فقال أنسٌ نستأذنُ آباءَنا وأُمَّهاتِنا فنزلتْ . وقرئ وهو أبٌ لهم أي في الدِّينِ فإنَّ كلَّ نبيَ أبٌ لأمَتهِ من حيثُ إنَّه أصلٌ فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوةً { وأزواجه أمهاتهم } أي منزلات منزلَة الأمَّهاتِ في التَّحريمِ واستحقاقِ التَّعظيمِ ، وأما فيما عَدا ذلك فهنَّ كالأجنبياتِ ، ولذلك قالتْ عائشةُ رضي الله عنها : لسنا أُمَّهاتِ النِّساءِ { وَأُوْلُو الأرحام } أي ذُوو القراباتِ { بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } في التَّوارث وهو نسخٌ لما كان في صدرِ الإسلامِ من التَّوراث بالهجرةِ والمُوالاة في الدِّينِ { فِي كتاب الله } في اللَّوح أو فيما أنزلَه وهو هذه الآيةُ أو آيةُ المواريثِ أو فيما فرضَ الله تعالى { مِنَ المؤمنين والمهاجرين } بيانٌ لأولي الأرحامِ أو صلةٌ لأُولي أو أولُو الأرحامِ بحقِّ القرابةِ أَولى بالميراثِ من المؤمنينَ بحقِّ الدِّينِ ومن المهاجرينَ بحقِّ الهجرةِ { إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً } استثناءٌ من أعمِّ ما تُقدَّرُ الأولويَّةُ فيهِ من النَّفعِ . والمرادُ بفعلِ المعروفِ التَّوصيةُ أو منقطع { كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُورًا } أي كان ما ذُكر من الآيتينِ ثابتاً في اللَّوحِ أو القُرآنِ . وقيل في التَّوراةِ .