الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

وقوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [ الأحزاب : 6 ] .

أزالَ اللّه بهذه الآية أحكاماً كانت في صدر الإسلام منها أن النّبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين ، فذَكَرَ اللّهُ تعالى أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فجمع هذا أن المؤمن يلزم أن يُحِبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أكثرَ من نَفسِهِ ، حَسَبَ حديثِ عمر بن الخطاب ، ويلزمُ أن يَمْتَثِلَ أوامرَهُ ، أحبت نفسُهُ ذلك أو كرِهَتْ ، وَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية : ( أَنَاْ أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنَاً أَوْ ضِيَاعاً فإلَيَّ وَعَلَيَّ ، أَنا وَلِيُّهُ ، اقرءوا إنْ شِئْتُم : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } .

( ت ) : ولفظ البخاريِّ من رواية أبي هريرةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلاَّ وَأَنَا أولى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اقرءوا إنْ شِئْتُمْ : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا ، فَإنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضِيَاعاً ، فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهِ ) .

قال ابن العربيِّ : في «أحكامه » : فهذا الحديث هو تفسير الولاية في هذه الآية انتهى .

قال ( ع ) : وقال بعض العارفين : هو صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم لأنَّ أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك ، وهو يدعوهم إلى النجاة .

قال ( ع ) : ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُون فِيهَا تَقَحَّمَ الفَرَاشِ ) . قال عياض في «الشفا » : قال أهل التفسير في قوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي : ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماضٍ عليهم كما يمضي حكمُ السيد على عبده ، وقيل اتباع أمره أولى من اتباع رأي النفس انتهى .

وشَرَّفَ تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهاتِ المُؤْمِنِينَ في المَبَرَّةِ وحُرْمَةِ النِّكَاحِ ، وفي مصحف أُبَيّ بن كعبٍ : «وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ » وقرأ ابن عباس «مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ » ووافقه أُبَيٌّ على ذلك .

ثم حكم تعالى : بَأَن أُولى الأرْحَامِ بَعْضُهم أولى ببعض في التوارُث ، مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام ، و{ فِي كتاب الله } يُحْتَمَلُ أَن يُرِيْدَ القُرْآن أو اللوح المحفوظ .

وقوله : { مِنَ المؤمنين } متعلق ب{ أَوْلى } الثانية .

وقوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً } يريدُ الإحسانَ في الحياةِ والصِّلَة والوَصِيَّةِ عند الموتِ و«الكتابُ المسطورُ » : يحتَمِلُ الوجْهَين اللذين ذكرنا .