ثم ذكر سبحانه لرسوله مزية عظيمة وخصوصية جليلة لا يشاركه فيها أحد من العباد فقال : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي هو أحقّ بهم في كلّ أمور الدين والدنيا ، وأولى بهم من أنفسهم فضلاً عن أن يكون أولى بهم من غيرهم ، فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم ، وإن كانوا محتاجين إليها ، ويجب عليهم أن يحبوه زيادة على حبهم أنفسهم ، ويجب عليهم أن يقدّموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم . وبالجملة فإذا دعاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره وجب عليهم أن يقدّموا ما دعاهم إليه ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه ، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم ويقدّموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم . وقيل : المراد ب{ أنفسهم } في الآية بعضهم ، فيكون المعنى : أن النبيّ أولى بالمؤمنين من بعضهم ببعض . وقيل : هي خاصة بالقضاء ، أي هو أولى بهم من أنفسهم فيما قضى به بينهم . وقيل : أولى بهم في الجهاد بين يديه وبذل النفس دونه ، والأوّل أولى . { وأزواجه أمهاتهم } أي مثل أمهاتهم في الحكم بالتحريم ، ومنزلات منزلتهنّ في استحقاق التعظيم ؛ فلا يحلّ لأحد أن يتزوج بواحدة منهنّ كما لا يحلّ له أن يتزوج بأمه ، فهذه الأمومة مختصة بتحريم النكاح لهنّ وبالتعظيم لجنابهنّ ، وتخصيص المؤمنين يدلّ على أنهنّ لسن أمهات نساء المؤمنين ولا بناتهنّ أخوات المؤمنين ، ولا أخوتهنّ أخوال المؤمنين . وقال القرطبي : الذي يظهر لي أنهنّ أمهات الرجال والنساء تعظيماً لحقهنّ على الرجال والنساء كما يدلّ عليه قوله : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة . قال : ثم إن في مصحف أبيّ بن كعب : " وأزواجه أمهاتهم ، وهو أب لهم " ، وقرأ ابن عباس : " أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب وأزواجه أمهاتهم " .
ثم بين سبحانه أن القرابة أولى ببعضهم البعض فقال : { وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } المراد بأولي الأرحام : القرابات ، أي هم أحقّ ببعضهم البعض في الميراث ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في آخر سورة الأنفال ، وهي ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة . قال قتادة : لما نزل قوله سبحانه في سورة الأنفال : { والذين ءامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ من وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] ، فتوارث المسلمون بالهجرة ، ثم نسخ ذلك بهذه الآية ، وكذا قال غيره .
وقيل : إن هذه الآية ناسخة للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين ، و{ فِي كتاب الله } يجوز أن يتعلق بأفعل التفضيل في قوله : { أولى بِبَعْضٍ } لأنه يعمل في الظرف ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو حال من الضمير ، أي كائناً في كتاب الله . والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ أو القرآن أو آية المواريث ، وقوله : { مِنَ المؤمنين } يجوز أن يكون بياناً ل{ أولوا الأرحام } ، والمعنى : أن ذوي القرابات من المؤمنين { والمهاجرين } بعضهم أولى ببعض ، ويجوز أن يتعلق ب{ أولي } أي وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين الذين هم أجانب . وقيل إن معنى الآية : وأولوا الأرحام ببعضهم أولى ببعض : إلا ما يجوز لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم من كونهم كالأمهات في تحريم النكاح ، وفي هذا من الضعف ما لا يخفى .
{ إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً } هذا الاستثناء إما متصل من أعمّ العام ، والتقدير : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كل شيء من الإرث وغيره ، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً ، من صدقة أو وصية فإن ذلك جائز . قاله قتادة والحسن وعطاء ومحمد بن الحنفية . قال محمد بن الحنفية : نزلت في إجازة الوصية لليهودي والنصراني . فالكافر وليّ في النسب لا في الدين ، فتجوز الوصية له ، ويجوز أن يكون منقطعاً ، والمعنى : لكن فعل المعروف للأولياء لا بأس به ، ومعنى الآية : أن الله سبحانه لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح أن يوصى لهم . وقال مجاهد : أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة ، والإشارة بقوله : { كَانَ ذَلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره ، أي كان نسخ الميراث بالهجرة والمحالفة والمعاقدة ، وردّه إلى ذوي الأرحام من القرابات { فِي الكتاب مَسْطُورًا } أي في اللوح المحفوظ ، أو في القرآن مكتوباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.