{ 96 - 97 } { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }
هذا تحذير من الله للناس ، أن يقيموا على الكفر والمعاصي ، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج ، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم ، وقد سد عليهم ذو القرنين ، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض ، وفي آخر الزمان ، ينفتح السد عنهم ، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف ، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع ، وهو الحدب ينسلون أي : يسرعون . وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة ، وإسراعهم في الأرض ، إما بذواتهم ، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد ، وتسهل عليهم الصعب ، وأنهم يقهرون الناس ، ويعلون عليهم في الدنيا ، وأنه لا يد لأحد بقتالهم .
ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان لقبيلتين من الناس ، قيل : مأخوذان من الأوجة وهى الاختلاط أو شدة الحر ، وقيل من الأوج وهو سرعى الجرى .
والمراد بفتحهما : فتح السد الذى على هاتين القبيلتين ، والذى يحول بينهم وبين الاختلاط بغيرهم من بقية الناس .
{ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } والحدب : المترفع من الأرض كالجبل ونحوه .
و { يَنسِلُونَ } من النسل - بإسكان السين - وهو مقاربة الخطو مع الإسراع فى السير ، يقال : نسل الرجل فى مشيته إذا أسرع ، وفعله من باب قعد وضرب .
أى : وهم - أى يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون السير إلى المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، و قيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، وقيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر .
ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة يبدؤه بالعلامة التي تدل على قرب الموعد . وهو فتح يأجوج ومأجوج : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، واقترب الوعد الحق ، فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا . يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ، بل كنا ظالمين . إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون . لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ، وكل فيها خالدون . لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون . إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ، لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون . يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ، كما بدأنا أول خلق نعيده ، وعدا علينا إنا كنا فاعلين . .
وقوله : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } : قد قدمنا أنهم من سلالة آدم ، عليه السلام ، بل هم من نسل نوح أيضا{[19857]} من أولاد يافث أبي الترك ، والترك شرذمة منهم ، تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين .
وقال : { هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } [ الكهف : 98 ، 99 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } أي : يسرعون في المشي إلى الفساد .
والحَدَب : هو المرتفع من الأرض ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وأبو صالح ، والثوري وغيرهم ، وهذه صفتهم في حال خروجهم ، كأن السامع مشاهد لذلك ، { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] : هذا إخبار عالم ما كان وما يكون ، الذي يعلم غيب السموات والأرض ، لا إله إلا هو .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن مثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عُبَيد الله بن أبي يزيد قال : رأى ابُن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض ، يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا
يخرج يأجوج ومأجوج{[19858]} .
وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية :
فالحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، عن عاصم بن عُمَر بن قتادة ، عن محمود بن لَبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يُفتَح يأجوجُ ومأجوجُ ، فيخرجون كما قال الله عز وجل " : { [ وَهُمْ ] {[19859]} مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } ، فيغشونَ الناس ، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم{[19860]} ، ويضمون إليهم مواشيَهم ، ويشربون مياه الأرض ، حتى إن بعضَهم ليمر بالنهر ، فيشربون ما فيه حتى يتركوه يَبَسا ، حتى إن مَنْ بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول{[19861]} : قد كان هاهنا ماء مرةً حتى إذا لم يبقَ من الناس أحد إلا أحدٌ في حصن أو مدينة قال قائلهم : هؤلاء أهلُ الأرض ، قد فرغنا منهم ، بقي أهلُ السماء . قال : " ثم يهزّ أحدهم حربته ، ثم يرمي بها إلى السماء ، فترجع إليه مُخْتَضبَةً دما ؛ للبلاء والفتنة . فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل دودا في أعناقهم كنَغَف الجراد الذي يخرج في أعناقه ، فيصبحون{[19862]} موتى لا يُسمَع لهم حس ، فيقول المسلمون : ألا رجل يَشْري لنا نفسه ، فينظر ما فعل هذا العدو ؟ " قال : " فيتجرّد رجل منهم محتسبا نفسه ، قد أوطنها على أنه مقتول ، فينزل فيجدهم موتى ، بعضهم على بعض ، فينادي : يا معشر المسلمين ، ألا أبشروا ، إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم ، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويُسَرِّحون مواشيهم ، فما يكون لها رعي إلا لحومهم ، فَتَشْكر عنه كأحسن ما شَكرَت عن شيء من النبات أصابته قط .
ورواه ابن ماجه ، من حديث يونس بن بُكَيْر ، عن ابن إسحاق ، به{[19863]} .
الحديث الثاني : قال [ الإمام ]{[19864]} أحمد أيضا : حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني يحيى بن جابر الطائي - قاضي حمص - حدثني عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير الحضرمي ، عن أبيه ، أنه سمع النَّوّاس بن سمْعانَ الكلابي قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غَداة ، فخَفَض فيه ورَفَع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، [ فلما رُحْنَا إليه عرف ذلك في وجوهنا ، فسألناه فقلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال الغداة ، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ]{[19865]} . فقال : " غير الدجال أخْوَفُني عليكم ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم : إنه شاب جَعْدُ قَطَط عينه
طافية ، وإنه يخرج خَلَةَ بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وشمالا يا عباد الله اثبتوا " .
قلنا : يا رسول الله ، ما لبثه في الأرض ؟ قال : " أربعين يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم " .
قلنا : يا رسول الله ، فذاك اليوم الذي هو كسنة ، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة ؟ قال : " لا اقدروا له قدره " .
قلنا : يا رسول الله ، فما إسراعه في الأرض ؟ قال : " كالغيث استدبرته الريح " . قال : " فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذُرَى ، وأمده خواصر ، وأسبغه ضروعا . ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قولَه ، فتتبعه أموالهم ، فيصبحون مُمْحلين ، ليس لهم من أموالهم . ويمر بالخَربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " . قال : " ويأمر برجل فيُقتَل ، فيضربه بالسيف فيقطعه جَزْلتين رَمْيَةَ الغَرَض ، ثم يدعوه فيقبل إليه [ يتهلل وجهه ]{[19866]} .
فبينما هم على ذلك ، إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة{[19867]} البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مَهْرُودَتَين واضعا يَدَه على أجنحة مَلَكين ، فيتبعه فيدركه ، فيقتله عند باب لُدّ الشرقي " .
قال : " فبينما هم كذلك ، إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم : أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يَدَانِ لك بقتالهم ، فَحَوّز عبادي إلى الطور ، فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج ، وهم كما قال الله : { مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل ، فيرسل الله عليهم نَغَفًا في رقابهم ، فيصبحون فَرْسى ، كموت نفس واحدة .
فيهبط عيسى وأصحابه ، فلا يجدون في الأرض بيتا إلا قد ملأه زَهَمُهم ونَتْنهُم ، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل عليهم طيرًا كأعناق البُخْت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله " .
قال ابن جابر{[19868]} فحدثني عطاء بن يزيد السَّكْسَكيّ{[19869]} ، عن كعب - أو غيره - قال : فتطرحهم بالمَهْبِل . [ قال ابن جابر : فقلت : يا أبا يزيد ، وأين المَهْبِل ؟ ]{[19870]} ، قال : مطلع الشمس . قال : " ويرسل الله مطرًا لا يَكُنَّ{[19871]} منه بيت مَدَر ولا وَبَر أربعين يوما ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلَقَةِ ، ويقال للأرض : أنبتي ثمرتك ، ورُدي بركتك " . قال : " فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحْفها ، ويُبَارك في الرَسْل ، حتى إن اللَّقْحَةَ من الإبل لتكفي الفِئَامَ من الناس ، واللقحة من البقر تكفي الفخذ ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت " .
قال : " فبينما هم على ذلك{[19872]} ، إذ بعث الله عز وجل ريحا طيبة تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مسلم - أو قال : كل مؤمن - ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمير ، وعليهم تقوم الساعة " .
انفرد{[19873]} بإخراجه مسلم دون البخاري ، فرواه مع بقية أهل السنن من طرق ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، به{[19874]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
الحديث الثالث : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن ابن حَرْمَلَة ، عن خالته قالت : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعُه من لدغة عَقْرب ، فقال : " إنكم تقولون : " لا عدو{[19875]} ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوًا ، حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه ، صغار العيون ، صُهْبَ الشّعاف ، من كل حَدَب ينسلون ، كأن وجوههم المَجَانّ المُطرَقة " {[19876]} .
وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو ، عن خالد بن عبد الله بن حَرْمَلة المدلجي ، عن خالة له ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله{[19877]} .
الحديث الرابع : قد تقدم في تفسير آخر سورة الأعراف من رواية الإمام أحمد ، عن هُشَيْم ، عن العَوَّام ، عن جَبَلَة بن سُحَيْم ، عن مُؤثر بن عَفَازَةَ ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، عليهم السلام ، قال : فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال : لا علم لي بها{[19878]} . فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال : لا علم لي بها{[19879]} . فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال : أما وَجْبَتها فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيها عهد إلي ربي أن الدجال خارج " .
قال : " ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص " قال : " فيهلكه الله إذا رآني ، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم إن تحتي كافرًا ، فتعال فاقتله " . قال : " فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم " . قال : " فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب يَنسلون ، فيطؤون بلادهم ، لا{[19880]} يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه " . قال : " ثم يرجع الناس إليّ يشكونهم ، فأدعو الله عليهم ، فيهلكهم ويميتهم ، حتى تَجوى الأرض من نَتْن ريحهم ، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم ، حتى يقذفهم في البحر . ففيما عهد إليّ ربي أن ذلك إذا كان كذلك ، أن الساعة كالحامل المُتِمّ ، لا يدري أهلها متى تَفْجُؤهم بولادها ليلا أو نهارا " .
ورواه ابن ماجه ، عن محمد بن بشار ، عن يزيد بن هارون ، عن العَوَّام بن حَوْشَب ، به{[19881]} ، نحوه وزاد : " قال العَوَّام ، ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } .
ورواه ابن جرير هاهنا من حديث جبلة ، به{[19882]} .
والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، والآثار عن السلف كذلك .
وقد روى ابُن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث مَعْمَر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصَّيف قال : قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ، حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيده الله كما كان . فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله . فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون حتى يخرجوا . فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة ، فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون{[19883]} : قد كان هاهنا مرة ماء ، ويفر الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء . ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مُخَضَّبة بالدماء فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء . فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، فيقول : " اللهم ، لا طاقة ولا يَدَين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت " ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له : النغف ، فيفرس{[19884]} رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها : " الحياة " يطهر الله الأرض وينبتها ، حتى أن الرمانة ليشبع منها السَّكْن " . قيل : وما السَّكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت - قال : " فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصَّريخ أن ذا السُّويقَتَين يريده . قال : فيبعث{[19885]} عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة ، أو بين السبعمائة والثمانمائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عَجَاج{[19886]} الناس ، فيتسافدون كما تَسَافَدُ البهائم ، فَمَثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع ؟ قال كعب : فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا - أو بعد علمي هذا شيئا - فهو المتكلف{[19887]} .
هذا من أحسن سياقات كعب الأحبار ، لما شهد له من صحيح الأخبار .
وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق ، وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد الله بن أبي عُتبَةَ ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليُحَجَّنَّ هذا البيت ، وليُعْتَمَرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج " . انفرد بإخراجه البخاري{[19888]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : حتى إذا فُتح عن يأجوج ومأجوج ، وهما أمّتان من الأمم ردمهما كما :
حدثني عصام بن داود بن الجراح ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد الثوريّ ، قال : حدثنا منصور بن المعتمر ، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش ، قال : سمعت حُذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوّلُ الاَياتِ : الدّجّالُ ، وَنُزُلُ عِيسَى ، وَنارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنِ أبْيَنَ ، تَسُوق النّاسَ إلى المَحْشَرِ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ إذَا قالُوا . والدّخانُ ، والدّابّةُ ، ثُمّ يَأْجُوجُ ومَأْجَوجُ » قال حُذيفة : قلت : يا رسول الله ، وما يأجوج ومأجوج ؟ قال : «يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ أُمَمٌ ، كُلّ أُمّةٍ أرْبَعُ مِئَةِ ألْفٍ ، لا يَمُوتُ الرّجُلُ مِنْهُمْ حتى يَرَى ألْفَ عَيْنٍ تَطْرِفُ بينَ يَدَيْهِ مِنْ صُلْبِهِ ، وَهُمْ وَلَدُ آدَمَ ، فَيَسِيرُونَ إلى خَرَابِ الدّنيْا ، يَكُونُ مُقَدّمَتُهُمْ بالشّامِ وَساقَتُهُمْ بالعِرَاقِ ، فَيَمُرّونَ بأنهَارِ الدّنيا ، فَيَشْرَبُونَ الفُرَاتَ والدّجْلَةَ وبُحَيْرَةَ الطّبَرِيّةِ حتى يَأْتُوا بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنا أهْلَ الدّنيْا فَقاتِلُوا مَنْ فِي السّماءِ ، فَيْرمَونَ بالنّشّابِ إلى السّماءِ ، فَترْجِعُ نُشابُهُمْ مُخَضّبَةً بالدّمِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنا مَنْ فِي السّماءِ ، وَعِيسَى والمُسْلِمُونَ بِجَبَلِ طُورِ سِينِينَ ، فَيُوحِي اللّهُ جَلّ جَلالُهُ إلى عِيسَى : أنْ أحْرِزْ عِبادِي بالطّورِ وَما يَلي أيْلَةَ ثُمّ إنّ عِيسَ يَرْفَعُ رأسَهُ إلى السّماءِ ، وَيُؤَمّنُ المُسْلِمونَ فَيَبْعَثُ اللّهُ عَلَيْهِمْ دَابّةً يُقالُ لَهَا النّغَفُ ، تَدْخُلُ مِنْ مَناخِرِهِمْ فَيُصْبِحَونَ مَوْتَى مِنْ حاقِ الشّامِ إلى حاقِ العِرَاقِ ، حتى تَنْتَنَ الأرْضُ مِنْ جِيفِهِمْ ويَأْمُرُ اللّهُ السّماءَ فتُمْطِرُ كأفْوَاهِ القِرَبِ ، فَتَغْسِلُ الأرْض مِنْ جِيَفِهِمْ وَنَتْنِهِمْ ، فَعِنْدَ ذلكَ طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبها » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الإنس الضّعف ، وإن الجنّ يزيدون على الإنس الضعف ، وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت وهب بن جابر يحدث ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : إن يأجوج ومأجوج يمرّ أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمرّ آخرهم فيقول : قد كان في هذا مرّة ماء . لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا . وقال : مِن بعدهم ثلاثُ أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تاويل ، وتاريس ، وناسك أو منسك شكّ شعبة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر الخيواني ، قال : سألت عبد الله بن عمرو ، عن يأجوج ومأجوج ، أمن بني آدم هم ؟ قال : نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تاريس ، وتاويل ، ومنسك .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، قال : سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول : قال عبد الله بن عمرو : يأجوج ومأجوج لهم أنهار يَلْقَمون ما شاءوا ، ونساء يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقمون ما شاءوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذرّيته ألفا فصاعدا .
حدثنا محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا زكريا ، عن عامر ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن سلام ، قال : ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرء فصاعدا .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن عطية ، قال : قال أبو سعيد : يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحد إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون ، فيمرّون على البحيرة فيشربونها ، فيمرّ المارّ فيقول : كأنه كان ههنا ماء ، قال : فيبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالاً ، فتقول أهل الحصون : لقد هلك أعداء الله ، فيدلّون رجلاً لينظر ، ويشترط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا ، قال : فينزل الله ماء من السماء فيقذفهم في البحر ، فتطهر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل ، وتخرج الأرض ثمرتها كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، قال : بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلاً كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تخرج عليهم ، قال : فيسمعون جلبة وأمرا شديدا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، أن عبد الله بن عمرو ، قال : ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف ، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم إلا الله : منسك ، وتاويل ، وتاريس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن عمرو البِكالي ، قال : إن الله جزأ الملائكة والإنس والجنّ عشرة أجزاء فتسعة منهم الكروبيون وهم الملائكة الذي يحملون العرش ، ثم هم أيضا الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون . قال : ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته . ثم جزّأ الإنس والجنّ عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة . ثم جزأ الإنس على عشرة أجزاء ، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وسائر الإنس جزء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : حتى إذَا فُتحتْ يَأْجُوج وَمأْجُوجُ قال : أُمّتانِ من وراء ردم ذي القرنين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف ، قال : كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله . فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون ثم يخرجون . فتمرّ الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمرّ الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمرّ الزمرة الثالثة فيقولون : قد كان ههنا مرّة ماء . وتفرّ الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء ، يرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : غلبْنا أهل الأرض وأهل السماء . فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، فيقول : اللهمّ لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت فيسلط الله عليهم دودا يقال له النغف فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن . قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت . قال : فبينا الناس كذلك ، إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مئة ، أو بين السبع مئة والثمان مئة ، حتى إذا كانوا بعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض الله فيها روح كلّ مؤمن ، ثم يبقى عَجَاجٌ من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم فمثَل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع . فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا أو على هذا شيئا فهو المتلكف .
حدثنا العباس بن الوليد البيروتي ، قال : أخبرني أبي ، قال : سمعت ابن جابر ، قال : ثني محمد بن جابر الطائي ثم الحمصي ، ثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، قال : ثني أبي أنه سمع النوّاس بن سمعان الكلابي يقول : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، وذكر أمره ، وأن عيسى ابن مريم يقتله ، ثم قال : «فَبيْنَا هُوَ كَذَلِكَ ، أَوْحَى الله إليه : يا عِيسَى ، إني قد أخْرَجْتُ عِبَادا لي لا يَد لأحَدٍ بِقتَالِهِمْ ، فَحَرّزْ عِبَادِي إلى الطّورِ فيَبعثَ الله يأجُوجَ ومَأْجُوجَ ، وهم مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيمُرّ أحَدُهُمْ على بحيرة طَبَريّةَ ، فيَشْرَبُونَ ما فيها ، ثم ينزل آخرهم ، ثم يقول : لقد كان بهذه ماء مَرّة . فيحاصر بنيّ الله عِيسَى وأصحابه ، حتى يكون رَأْسُ الثور يومئذ خَيْرا لأحدهم مِنْ مِئَةِ دينارٍ لأحدكم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابُه إلى الله ، فيُرْسِل الله عليهم النّغَفَ في رِقَابِهِمْ ، فيُصْبِحُونَ فَرْسى مَوْت نَفْسٍ واحِدَةٍ ، فَيهْبِطُ نبيّ الله عيسى وأصْحَابُه ، فلا يَجِدُونَ مَوْضَعا إلا قد ملأه زُهْمُهُمْ ونتنهم ودماؤهم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيُرْسِل عليهم طيرا كأعْنَاقِ البُخْتِ ، فتَحْمِلُهُم فَتطْرَحُهُمْ حَيْثُ شاء الله ، ثم يُرْسِلُ الله مطرا لا يَكُنّ منه بَيْتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلَفة .
وأما قوله : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم : عُني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض ، وإنما عُني بذلك الحشرُ إلى موقف الناس يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : جمع الناس من كلّ مكان جاءوا منه يوم القيامة ، فهو حَدَبٌ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيح : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، قال ابن جُرَيج : قال مجاهد : جمع الناس من كلّ حدب من مكان جاءوا منه يوم القيامة فهو حدب .
وقال آخرون : بل عني بذلك يأجوج ، ومأجوج وقوله : «وهم » وكناية أسمائهم ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله أنه قال : يخرج يأجوج ومأجوج فيمرحون في الأرض ، فيُفسدون فيها . ثم قرأ عبد الله : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : ثم يبعث الله عليهم دابّة مثل النغف ، فتَلِجُ في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها فتنتن الأرض منهم ، فيرسل الله عزّ وجلّ ماء فيطهر الأرض منهم .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : عني بذلك يأجوج ومأجوج ، وأن قوله : وَهُمْ كناية عن أسمائهم ، للخبر الذي :
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري ، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُفْتَحُ يأْجُوجُ ومَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ عَلى النّاسِ كمَا قالَ اللّهُ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيُغَشّونَ الأرضَ » .
حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُذكر عن عيسى ابن مريم ، قال : «عيسى : عَهِدَ إليّ رَبّي أنّ الدّجّالَ خارِجٌ ، وأنّهُ مُهْبِطِي إلَيْهِ ، فذكر أنّ مَعَهُ قَضِيبَيْنِ ، فإذَا رآني أهْلَكَهُ اللّهُ . قالَ : فَيَذُوبُ كمَا يَذُوبُ الرّصَاصُ ، حتى إنّ الشّجَرَ والحَجَرَ ليَقُولُ : يا مُسْلِمُ هَذَا كافِرٌ فاقْتُلْهُ فَيُهْلِكُهُمْ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى ، وَيَرْجِعُ النّاسُ إلى بِلادِهِمْ وأوْطانِهِمْ . فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، لاَ يأْتُونَ عَلى شَيْءٍ إلاّ أهْلَكُوهُ ، وَلاَ يمُرّونَ على ماءٍ إلاّ شَرِبوهُ » .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا المحاربي ، عن أصبغ بن زيد ، عن العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن موثر بن عفازة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وأما قوله : مِنْ كُلّ حَدَبٍ فإنه يعني من كل شرف ونشَز وأكمة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ يقول : من كلّ شرف يُقْبِلون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة : مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : من كلّ أكمة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : الحَدَبُ : الشيء المشرف . وقال الشاعر :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** عَلى الحِدَابِ تَمُورُ
1حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حتى إذا فُتْحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : هذا مبتدأ يوم القيامة .
وأما قوله : يَنْسِلُونَ فإنه يعني : أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب ، كما قال الشاعر :
عَسَلانَ الذّئْبِ أمْسَى قاربا *** برد اللّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج } متعلق ب { حرام } أو بمحذوف دل الكلام عليه ، أو ب { لا يرجعون } أي يستمر الامتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها : وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها ، والمحكي هي الجملة الشرطية . وقرأ ابن عامر ويعقوب " فتحت " بالتشديد . { وهم } يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم . { من كل حدب } نشز من الأرض ، وقرئ جدث وهو القبر { ينسلون } يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين .