35- إن المنقادين من الرجال والنساء ، والمصدقين بالله ورسوله والمصدقات ، والقائمين بالطاعة والقائمات ، والصادقين في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم والصادقات ، والصابرين على تحمل المشاق في سبيل الله والصابرات ، والمتواضعين لله والمتواضعات ، والمتصدقين من مالهم على المحتاجين والمتصدقات ، والصائمين الفرض والنفل والصائمات ، والحافظين فروجهم عما لا يحل والحافظات ، والذاكرين الله كثيرا بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات . أعد الله لهم غفراناً لذنوبهم وثوابا عظيما على أعمالهم .
{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }
لما ذكر تعالى ثواب زوجات الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وعقابهن [ لو قدر عدم الامتثال ]{[3]} وأنه ليس مثلهن أحد من النساء ، ذكر بقية النساء غيرهن .
ولما كان حكمهن والرجال واحدًا ، جعل الحكم مشتركًا ، فقال : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } وهذا في الشرائع الظاهرة ، إذا كانوا قائمين بها . { وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وهذا في الأمور الباطنة ، من عقائد القلب وأعماله .
{ وَالْقَانِتِينَ } أي : المطيعين للّه ولرسوله { وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ } في مقالهم وفعالهم { وَالصَّادِقَاتِ } { وَالصَّابِرِينَ } على الشدائد والمصائب { وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ } في جميع أحوالهم ، خصوصًا في عباداتهم ، خصوصًا في صلواتهم ، { وَالْخَاشِعَاتِ } { وَالْمُتَصَدِّقِينَ } فرضًا ونفلاً { وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ } شمل ذلك ، الفرض والنفل . { وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ } عن الزنا ومقدماته ، { وَالْحَافِظَاتِ } { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ [ كَثِيرًا } أي : ] {[4]} في أكثر الأوقات ، خصوصًا أوقات الأوراد المقيدة ، كالصباح والمساء ، وأدبار الصلوات المكتوبات { وَالذَّاكِرَاتِ }
{ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ } أي : لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة ، والمناقب الجليلة ، التي هي ، ما بين اعتقادات ، وأعمال قلوب ، وأعمال جوارح ، وأقوال لسان ، ونفع متعد وقاصر ، وما بين أفعال الخير ، وترك الشر ، الذي من قام بهن ، فقد قام بالدين كله ، ظاهره وباطنه ، بالإسلام والإيمان والإحسان .
فجازاهم على عملهم { بِالْمَغْفِرَةً } لذنوبهم ، لأن الحسنات يذهبن السيئات . { وَأَجْرًا عَظِيمًا } لا يقدر قدره ، إلا الذي أعطاه ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، نسأل اللّه أن يجعلنا منهم .
وبعد هذه التوجيهات الحكيمة لأمهات المؤمنين ، ساق - سبحانه - توجيها جامعا لأمهات الفضائل ، وبشر المتصفين بهذه الفضائل بالمغفرة والأجر العظيم فقال - تعالى - : { إِنَّ المسلمين والمسلمات } .
ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : ما أخرجه الإِمام أحمد والنسائى وغيرهما ، عن أم سلمة - رضى الله عنها - قالت : قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت : فلم يرعنى منه صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلا نداؤه على المنبر ، وهو يتلو هذه الآية : { إِنَّ المسلمين والمسلمات . . . } .
وأخرج الترمذى وغيره عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أرى كل شئ إلا للرجال ، وما أرى النساء يذكرون بشئ ، فنزلت هذه الآية .
وأخرجه ابن جرير عن قتادة قال : دخل نساء على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فقلن : قد ذكركن الله - تعالى - فى القرآن ، وما يذكرنا بشئ أما فينا ما يذكر ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .
والمعنى : { إِنَّ المسلمين والمسلمات } والإِسلام : الانقياد لأمر الله - تعالى - وإسلام الوجه له - سبحانه - وتفويض الأمر إليه وحده .
{ والمؤمنين والمؤمنات } والإِيمان : هو التصديق القلبى ، والإِذعان الباطنى ، لما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .
{ والقانتين والقانتات } والقنوت : هو المواظبة على فعل الطاعات عن رضا واختيار .
{ والصادقين والصادقات } والصدق : والصدق : هو النطف بما يطابق الواقع ، والبعد عن الكذب والقول الباطل . .
{ والصابرين والصابرات } والصبر : هو توطين النفس على احتمال المكاره والمشاق فى سبيل الحق ، وحبس النفس عن الشهوات .
{ والخاشعين والخاشعات } والخشوع : صفة تجعل القلب والجوارح فى حالة انقياد تام لله - تعالى - ومراقبة له ، واستشعار لجلاله وهيبته .
{ والمتصدقين والمتصدقات } والتصدق : تقديم الخير إلى الغير بإخلاص ، فدعا لحاجته ، وعملا على عونه ومساعدته .
{ والصائمين والصائمات } والصوم : هو تقرب إلى الله - تعالى - واستعلاء على مطالب الحياة ولذائذها ، من أجل التقرب إليه - سبحانه - بما يرضيه .
{ والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات } وحفظ الفرج : كناية عن التعفف والتطهر والتصون عن أن يضع الإِنسان شهوته فى غير الموضع الذى أحله الله - تعالى - .
{ والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات } وذكر الله - تعالى - يتمثل فى النطق بما يرضيه كقراءة القرآن الكريم ، والإِكثار من تسبيحه - عز وجل - وتحميده وتكبيره . .
وفى شهور النفس فى كل لحظة مراقبته - سبحانه - .
هؤلاء الذين اصتفوا بهذه الصفات من الرجال والنساء { أَعَدَّ الله } - تعالى - { لَهُم مَّغْفِرَةً } واسعة لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } لا يعلم مقداره إلا هو - عز وجل - .
وهكذا نجد القرآن الكريم يسوق الصفات الكريمة ، التى من شأن الرجل والمرأة إذا ما اتصفا بها ، أن يسعدا فى دنياهما وفى أخراهما ، وأن يسعد بهما المجتمع الذى يعيشان فيه . .
إنها صفات نظمت علاقة الإِنسان بربه ، وبنفسه ، وبغيره ، تنظيما حكيما ، يهدى الى الرشد ، ويوصل إلى الظفر والنجاح .
وفي صدد تطهير الجماعة الإسلامية ، وإقامة حياتها على القيم التي جاء بها الإسلام . الرجال والنساء في هذا سواء . لأنهم في هذ المجال سواء . . يذكر الصفات التي تحقق تلك القيم في دقة وإسهاب وتفصيل :
( إن المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، والقانتين والقانتات ، والصادقين والصادقات ، والصابرين والصابرات ، والخاشعين والخاشعات ، والمتصدقين والمتصدقات ، والصائمين والصائمات ، والحافظين فروجهم والحافظات ، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات . . أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) . . .
وهذه الصفات الكثيرة التي جمعت في هذه الآية تتعاون في تكوين النفس المسلمة . فهي الإسلام ، والإيمان ، والقنوت ، والصدق ، والصبر ، والخشوع ، والتصدق ، والصوم ، وحفظ الفروج ، وذكر الله كثيرا . . ولكل منها قيمته في بناء الشخصية المسلمة .
والإسلام : الاستسلام ، والإيمان التصديق . وبينهما صلة وثيقة أو أن أحدهما هو الوجه الثاني للآخر . فالاستسلام إنما هو مقتضى التصديق . والتصديق الحق ينشأ عنه الاستسلام .
والقنوت : الطاعة الناشئة من الإسلام والإيمان ، عن رضى داخلي لا عن إكراه خارجي .
والصدق : هو الصفة التي يخرج من لا يتصف بها من صفوف الأمة المسلمة لقوله تعالى : ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله )فالكاذب مطرود من الصف . صف هذه الأمة الصادقة .
والصبر : هو الصفة التي لا يستطيع المسلم حمل عقيدته والقيام بتكاليفها إلا بها . وهي تحتاج إلى الصبر في كل خطوة من خطواتها . الصبر على شهوات النفس ، وعلى مشاق الدعوة ، وعلى أذى الناس . وعلى التواء النفوس وضعفها وانحرافها وتلونها . وعلى الابتلاء والامتحان والفتنة . وعلى السراء والضراء ، والصبر على كلتيهما شاق عسير .
والخشوع : صفة القلب والجوارح ، الدالة على تأثر القلب بجلال الله ، واستشعار هيبته وتقواه .
والتصدق : وهو دلالة التطهر من شح النفس ، والشعور بمرحمة الناس ، والتكافل في الجماعة المسلمة . والوفاء بحق المال . وشكر المنعم على العطاء .
والصوم : والنص يجعله صفة من الصفات إشارة إلى اطراده وانتظامه . وهو استعلاء على الضرورات ، وصبر عن الحاجات الأولية للحياة . وتقرير للإرادة ، وتوكيد لغلبة الإنسان في هذا الكائن البشري على الحيوان .
وحفظ الفرج : وما فيه من تطهر ، وضبط لأعنف ميل وأعمقه في تركيب كيان الإنسان ، وسيطرة على الدفعة التي لا يسيطر عليها إلا تقي يدركه عون الله . وتنظيم للعلاقات ، واستهداف لما هو أرفع من فورة اللحم والدم في التقاء الرجل والمرأة ، وإخضاع هذا الالتقاء لشريعة الله ، وللحكمة العليا من خلق الجنسين في عمارة الأرض وترقية الحياة .
وذكر الله كثيرا : وهو حلقة الاتصال بين نشاط الإنسان كله وعقيدته في الله . واستشعار القلب لله في كل لحظة ؛ فلا ينفصل بخاطر ولا حركة عن العروة الوثقى . وإشراق القلب ببشاشة الذكر ، الذي يسكب فيه النور والحياة .
هؤلاء الذين تتجمع فيهم هذه الصفات ، المتعاونة في بناء الشخصية المسلمة الكاملة . . هؤلاء ( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) . .
وهكذا يعمم النص في الحديث عن صفة المسلم والمسلمة ومقومات شخصيتهما ، بعدما خصص نساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في أول هذا الشوط من السورة . وتذكر المرأة في الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام في رفع قيمة المرأة ، وترقية النظرة إليها في المجتمع ، وإعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله ؛ ومن تكاليف هذه العقيدة في التطهر والعبادة والسلوك القويم في الحياة . .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِينَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } . يقول تعالى ذكره : إن المتذلّلين لله بالطاعة والمتذلّلات ، والمصدّقين والمصدّقات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به من عند الله ، والقانتين والقانتات لله ، والمطيعين لله والمطيعات له فيما أمرهم ونهاهم ، والصادقين لله فيما عاهدوه عليه والصادقات فيه ، والصابرين لله في البأساء والضرّاء على الثبات على دينه ، وحين البأس والصابرات ، والخاشعة قلوبهم لله وجَلاً منه ومن عقابه والخاشعات ، والمتصدّقين والمتصدقات ، وهم المؤدّون حقوق الله من أموالهم والمؤدّيات ، والصائمين شهر رمضان الذي فرض الله صومه عليهم والصائمات ، الحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، والحافظات ذلك إلا على أزواجهنّ إن كنّ حرائر ، أو مَنْ ملكهنّ إن كنّ إماء ، والذاكرين الله بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم والذاكرات ، كذلك أعدّ الله لهم مغفرة لذنوبهم ، وأجرا عظيما : يعني ثوابا في الاَخرة على ذلك من أعمالهم عظيما ، وذلك الجنة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : دخل نساء على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقلن : قد ذكركنّ الله في القرآن ، ولم نُذكر بشيء ، أما فينا ما يُذْكَر ؟
{ إن المسلمين والمسلمات } الداخلين في السلم المنقادين لحكم الله . { والمؤمنين والمؤمنات }المصدقين بما يجب أن يصدق به . { والقانتين والقانتات } المداومين على الطاعة . { والصادقين والصادقات } في القول والعمل { والصابرين والصابرات } على الطاعات وعن المعاصي . { والخاشعين والخاشعات } المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم . { والمتصدقين والمتصدقات } بما وجب في مالهم . { والصائمين والصائمات } الصوم المفروض . { والحافظين فروجهم والحافظات } عن الحرام { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } بقلوبهم وألسنتهم . { أعد الله لهم مغفرة } لما اقترفوا من الصغائر لأنهم مكفرات . { وأجرا عظيما } على طاعتهم ، والآية وعد لهن ولأمثالهم على الطاعة والتدرع بهذه الخصال . روي : أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن : يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به فنزلت . وقيل لما نزل فيهن ما نزل قال نساء المسلمين فما نزل فينا شيء فنزلت . وعطف الإناث على الذكور لاختلاف الجنسين وهو ضروري ، وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين فليس بضروري ولذلك ترك في قوله { مسلمات مؤمنات } وفائدته الدلالة على أن إعداد المعد لهم للجمع بين هذه الصفات .