تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّـٰٓئِمِينَ وَٱلصَّـٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّـٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّـٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا} (35)

الآية 35 وقوله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } إلى آخره( {[16642]} ) ؛ ذكر أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وامرأة ، يقال لها : أنيسة بنت كعب ، أتيتا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالتا : يا رسول الله ما بال ربنا يذكر الرجال في القرآن بالخير ، ولا يذكر النساء في شيء ؟ فنزل : { إن المسلمين والمسلمات } .

ثم قوله : { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } يدل أن الإسلام والإيمان هما في الحقيقة واحد ؛ أعني في حقيقة المعنى واحد ، وإن كانا مختلفين بجهة لأن الإسلام ، هو أن يجعل( {[16643]} ) كل شيء لله سالما خالصا ، لا يجعل لغيره فيه شركا ولا حقا ، والإيمان هو التصديق لله بشهادة كل شيء له بالوحدانية والربوبية والألوهية .

فمن جعل الأشياء لله خالصة سالمة ، والذي صدق الله بشهادة كلية الأشياء له بالوحدانية والربوبية والألوهية ، واحد ، لأن المخلص ، هو الذي يرى [ كل شيء لله خالصا ، والموحد ، هو الذي يرى ]( {[16644]} ) الوحدانية له والربوبية في كل شيء ، فهما في حقيقة المعنى واحد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والقانتين والقانتات } القنوت ، هو القيام في اللغة . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصلاة ، فقال ( طول القنوت ) وفي بعضه : ( طول القيام ) [ مسلم 756 ] فثبت أن القنوت ، هو القيام ، فيكون تأويله ، والله أعلم ، القائمين والقائمات بجميع أوامر الله ومناهيه . وكذلك يخرج تأويل أهل التأويل : { والقانتين } المطيعين { والقانتات } ]( {[16645]} ) والمطيعات لله ، لأن كل قائم بأمر آخر ، فهو مطيع له ؛ هذا ، كأنه يقول : يكون في الاعتقاد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والصادقين والصادقات } إلى آخره يكون في المعاملة في تصديق ما اعتقدوا /428-أ/ وقبلوا ؛ يصدقون ، ويوفون بالأعمال في ما اعتقدوا ، وقبلوا .

وقوله تعالى : { والصابرين والصابرات } الصبر ، هو كف النفس وحبسها عن التعاطي في جميع المحرمات المحظورات . وعلى ذلك يخرج قول أهل التأويل : { والصابرين والصابرات } على أمر الله وطاعته وعلى المآذي والمصائب ؛ يكفون [ أنفسهم ]( {[16646]} ) عن جميع ما لا يحل فيه ، ويرون ذلك من تقديره .

وقوله تعالى : { والخاشعين والخاشعات } قال بعضهم : الخاشع المصلي ، وقال بعضهم : الخاشع المتواضع . وأصل الخشوع : هو الخوف اللازم في القلب ، وهو قول الحسن : يخافون الله في كل حال ، ولا يخافون غيره ، ويرجون الله ، ولا يرجون غيره .

هكذا عمل المؤمن تكون حقيقة خوفه ورجائه منه . وأما الكافر فإنه لا يخاف ربه ، ولا يرجوه( {[16647]} ) ، لأنه لا يعرفه ، ولا يخضع له .

وعلى ذلك المعتزلة ؟ إنما خوفهم من أعمالهم السيئة ، ورجاؤهم منها ؛ أعني من أعمالهم الحسنة لا من الله حقيقة . وكذلك على قولهم : لا يكون لأحد رجاء في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رجاؤه في أعماله لقولهم : ليس لله في أفعال العباد شيء من تدبيره ولا تقديره .

وقوله تعالى : { والمتصدقين والمتصدقات } أي المنفقين [ والمنفقات ]( {[16648]} ) في طاعة الله .

[ وقوله تعالى ]( {[16649]} ) : { والصائمين والصائمات } قد ذكرنا( {[16650]} ) أن هذا راجع إلى حقيقة الفعل في الصيام والصدقة والصدق في القول والمعاملة والخشوع منه .

وجائز أن يكون في القبول والاعتقاد على ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والحافظين فروجهم والحافظات } في ما لا يحل كقوله : { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 5 و6 ] .

وقوله تعالى : { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } قال بعضهم : أي المصلون لله الصلوات الخمس . وقال بعضهم : { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } باللسان على كل حال . لكن غيره ، كأنه أولى بذلك ؛ أي الذاكرين حق الله الذي عليهم { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } .


[16642]:في الأصل وم: آخر ما.
[16643]:أدرج بعدها في الأصل: لغيره.
[16644]:من م، ساقطة من الأصل.
[16645]:في الأصل وم: القائمين المطعين.
[16646]:ساقطة من الأصل وم.
[16647]:في الأصل وم: يرجون منه.
[16648]:ساقطة من الأصل وم.
[16649]:ساقطة من الأصل وم.
[16650]:من م، في الأصل: ذكر.