فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّـٰٓئِمِينَ وَٱلصَّـٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّـٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّـٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا} (35)

{ المسلمين } الرجال الذين دخلوا في الإسلام وانقادوا لشرعه .

{ المسلمات } النساء اللائي دخلن في الإسلام وانقدن لشرعه .

{ المؤمنين } المصدقين المستيقنين بما يجب اليقين والتصديق به .

{ القانتين } الخاضعين لجلال الله ، المداومين على طاعته .

{ الصادقين } في أقوالهم التي يجب الصدق فيها ، وفي أفعالهم .

{ والصابرين } والراضين المستسلمين المحتملين للمكاره ، وللنهوض بالطاعة ، والكف عن المعصية .

{ الخاشعين } المتواضعين لعظمة الله بجوارحهم وقلوبهم .

{ المتصدقين } الباذلين ما يحسن البذل معه من فرض أو تطوع .

{ والصائمين } المؤدين للصيام فرضا كان أو نفلا .

{ والحافظين فروجهم } الكافين فروجهم عما لا يرضى به الله سبحانه .

{ والذاكرين الله كثيرا } لا تزال ألسنتهم رطبة بحمد ربهم وتسبيحه واستغفاره ودعائه وتلاوة كتابه والثناء عليه ، وما شرع من الصلاة والسلام على نبيه ، وسائر أنواع الذكر ، قياما وقعودا وعلى جنوبهم ما استطاعوا .

{ مغفرة } سترا للعيوب وصفحا عن معاقبتهم على صغير الذنوب .

{ وأجرا عظيما } ومثوبة وجزاء لا يحيطه الوصف ، على ما عملوه من طاعات .

{ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما 35 }

لكأن مناسة هذه الآية الكريمة لما قبلها أن الله تعالى لما عرض أماناته على أهل بيت النبي ، واستحفظهم رعايتها ، ووعدهم على الوفاء بها الأجر الجزيل والثواب الجميل ، شاء سبحانه أن يبشر كل مصدق ومصدقة بالحق ، مستقيم على الهدى والبر والرشد ومستقيمة- يبشر هؤلاء برحمة منه ورضوان ، وعفو وغفران{[3627]} ، و{ إن } للتوكيد فكل داخل في الإسلام منقاد لشرعه وكل مسلمة تقية وكل مصدق مستيقن بما أوجب الله تعالى الاستيقان به ، وكل مستيقنة راسخة التصديق بذلك ، وكل خاضع لجلال الله سبحانه مداوم على طاعته ، وكل عابدة خاضعة لعظمته وسلطانه ، وكل صادق في القول الذي يجب الصدق فيه وفي أفعاله ، وكل صادقة ، وكل راض مستسلم محتمل للمكاره حين يقضي الله تعالى بلاء ، وجلد على النهوض بالطاعة والكف عن المعصية ، وكل صابرة في البأساء والضراء ، وعلى طاعة ربها وعن معصيته ، وكل متواضع لعزة المولى الكبير المتعال ، ومخبت بقلبه وجوارحه ، وكل متواضعة ، وكل باذل في سبيل ما يحسن البذل من فرض أو تطوع ، وكل باذلة ، وكل مؤد للصيام فرضا كان أو نفلا وكل صائمة ، وكل كاف فرجه عما لا يرضى الله سبحانه وكل حافظة ، وكل مرطب لسانه بحمد ربه وتسبيحه واستغفاره ودعائه وتلاوة كتابه والثناء عليه ، وما شرع من الصلاة والسلام على نبيه وسائر أنواع الذكر قائما وقاعدا وعلى جنبه ما استطاع وكل ذاكرة ، هيأ الله تعالى لهؤلاء وادخر سترا للعيوب وصفحا عن معاقبتهم على صغائر الذنوب ، وادخر لهم مثوبة وجزاء لا يحيط به الوصف على ما عملوه من طاعات ، مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : وإنما وصف الذكر بالكثرة في أكثر المواضع ، فقال في أول السورة : { . . . لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }{[3628]} وقال في الآية : { والذاكرين الله كثيرا } ويجيىء بعد ذلك : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا }{[3629]} لأن الإكثار من الأفعال البدنية متعسر يمنع الاشتغال ببعضها من الاشتغال بغيرها بحسب الأغلب ولكن لا مانع من أن يذكر الله وهو آكل أو شارب أو ماش أو نائم أو مشغول ببعض الصنائع والحرف ، على أن جميع الأعمال صحتها أو كمالها بذكر الله تعالى وهي النية . اه


[3627]:أخرج ابن جرير عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: قد ذكركن الله تعالى في القرآن، وما يذكرنا بشيء، أما فينا ما يذكر؟ فأنزل الله تعالى،{إن المسلمين} الآية، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: لما ذكر أزواج النبي لا قال النساء: لو كان فينا خير لذكرنا، فأنزل الله تعالى الآية، وجاءت الأحاديث تبين أن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها هي التي قالت: قلت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ فلم يرعني منه صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلا نداءه على المنبر وهو يقول:{إن المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية، وضمير:[ما لنا] للنساء على العموم، ففي رواية أخرى رواها النسائي، وجماعة عنها أيضا أنها قالت: قلت للنبي عليه الصلاة والسلام: ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يذكرن؟ فأنزل الله تعالى:{إن المسلمين والمسلمات} الآية، والرواية الأولى عنها رضي الله تعالى عنها أخرجها أحمد والنسائي وغيرهما.
[3628]:من الآية 21.
[3629]:الأية 41.