تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّـٰٓئِمِينَ وَٱلصَّـٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّـٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّـٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا} (35)

{ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما( 35 ) }

المفردات :

المسلمين : الداخلين في الإسلام والإسلام هو الانقياد والخضوع لأمر الله .

المؤمنين : المصدقين بأركان الإيمان والإيمان هو التصديق بما جاء عن الله من أمر ونهي .

القانتين : الخاضعين لله المداومين على الطاعة والقنوت هو الطاعة في سكون .

الخاشعين : المتواضعين لله بقلوبهم وأعضائهم والخضوع هو السكون والطمأنينة .

والحافظين فروجهم : عن الحرام .

والذاكرين الله : بقلوبهم وألسنتهم .

مغفرة : غفرانا يمحو ذنوبهم .

وأجرا عظيما : ثوابا جزيلا على طاعتهم وهو نعيم الآخرة .

سبب النزول :

أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن جرير عن عبد الرحمن بن شيبة قال : سمعت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت : فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر " يا أيها الناس إن الله تعالى يقول : { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات . . . } . 35

التفسير :

{ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات . . . } الآية .

الآية – كما ترى – وسام على صدر كل مسلم ومسلمة ، ملتزم وملتزمة بأحكام الإسلام وصفاته وفيها رفع لشأن المرأة وتمجيد لصفاتها الحسنة حيث قرن الرجال والنساء في عشر صفات كلها تعبر عن السلوك الحسن والصفات الكريمة .

{ إن المسلمين والمسلمات . . . } .

الذين دخلوا في الإسلام والإسلام يشمل الالتزام بالأركان والآداب والتشريعات التي شرعها الله في كتابه الكريم .

{ والمؤمنين والمؤمنات . . . . } .

الذين استقر الإيمان في قلوبهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فالإسلام يعني الانقياد الظاهري لأحكام الله والإيمان يعني التصديق الباطني واليقين الداخلي .

{ والقانتين والقانتات . . . } .

والقنوت هو دوام العمل الصالح والطاعة في سكون كما قال تعالى : { أمن هو قانت ءاناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه . . . } ( الزمر : 9 ) .

وقال عز وجل : { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين . . } ( آل عمران : 43 ) .

ويلاحظ التدرج بين هذه الصفات فالإسلام : إسلام المظهر من النطق بالشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج والإيمان التصديق الباطني والإذعان القلبي لله ، ثم ينشأ عن مجموعها القنوت والإخباث واستمرار الطاعة في خشوع ويقين .

{ والصادقين والصادقات . . . } .

والصدق في القول والعمل منزلة سامية تأتي بعد القنوت فإن الصدق رأس الفضائل ودليل إلى البر والجنة .

وفي الحديث الصحيح عند احمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " . 36

لذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم لم تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام .

{ والصابرين والصابرات . . . }

وقد ذكر الصبر في القرآن سبعين مرة ، والصبر في كتاب الله تعالى على ثلاث درجات : صبر على الطاعات وله ثلاثمائة درجة ، وصبر عن المعاصي وله ستمائة درجة ، وصبر على المصائب عن الصدمة الأولى وله تسعمائة درجة .

فالصبر أنواع منه صبر على أداء الطاعات مثل غض البصر وأداء الصلاة في أوقاتها وفي خشوعها وخضوعها وأداء الصيام والزكاة والحج وله ثلاثمائة درجة .

والصبر عن المعصية أي البعد عن الزنا والربا والقتل واليمين الغموس والسحر والابتعاد عن كل ما يغضب الله أي ألا يراك حيث نهاك وألا يفقدك حيث أمرك وله ستمائة درجة .

وقمة الصبر الصبر على المصائب عند الصدمة الأولى والرضا بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره وتحمل المكاره والنوائب والابتلاء في المال والنفس وثوابه تسعمائة درجة وفي الحديث الصبر جزاؤه الجنة " .

{ والخاشعين والخاشعات . . . } .

والمتواضعين بقلوبهم والمتواضعات فإذا فعلوا الحسنات تواضعوا وتطامنوا ، رجاء أن يقبلها الله أي لا ينالهم العجب ولا التطاول والتكبر بل هم في إحسان ومراقبة لله وفي الحديث الصحيح " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " 37 والخشوع صفة تجعل القلب والجوارح في حالة انقياد تام لله تعالى ومراقبته واستشعاره لجلاله وهيبته .

{ والمتصدقين والمتصدقات . . . } .

المخرجين زكاة أموالهم والمتصدقين بأموالهم تطوعا ورحمة بعباد الله والمتصدقات بأموالهن رجاء ثواب الله .

وفي الحديث الذي ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظل هم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله رب العالمين " . 38

وموضع الشاهد هنا هو من يخرج الصدقة خفية لا يعلم بها أحد إلا الله تعالى .

{ والصائمين والصائمات . . . } .

أي يصومون رمضان ويصومون تطوعا ، قال سعيد بن جبير : من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر دخل في قوله تعالى : { والصائمين والصائمات } .

والصوم ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه ، وهو وسيلة إلى التزكي والتطهر والتقرب إلى الله تعالى وتقواه ومراقبته وهو علاج لثورة الشهوة ، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " . 39

ومعنى وجاء : قاطع لثوران الشهوة .

{ والحافظين فروجهم والحافظات . . . }

أي الملتزمين بالعفة والملتزمات المحافظين على الاستقامة والبعد عن الزنا وعن كشف العور قال تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } . ( المؤمنون : 5-7 ) .

{ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات . . . }

أي : المداومين على ذكر الله وتذكره والمداومات على ذلك ، وذكر الله يشمل تذكره بالقلب وذكره باللسان وعبادته بالجوارح بنية صادقة ، وقد أمرنا بالذكر الكثير لتأكيد الإيمان في القلب والوصول إلى محبة الله تعالى ومرضاته ، وفي الحديث القدسي " أنا جليس من ذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " .

وقال تعالى : { يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } . ( الأحزاب : 41-42 ) .

وقد ختمت هذه الصفات بالذكر لأنه قمة العمل الصالح ، فأكثر الصائمين أجرا أكثرهم لله ذكرا وكذلك المصلون والمزكون والمتصدقون والحجاج أكثرهم فضلا أكثرهم لله ذكرا حتى ذهب الذاكرون لله بكل خير كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد .

ثم قال تعالى : { أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } .

أي هيأ الله للمتصفين بهذه الصفات مغفرة لذنوبهم وثوابا عظيما في الآخرة وهو الجنة ، وأنعم بها من أجر عظيم وثواب جليل .

ونلاحظ أن ذكر الله تعالى يشمل ذكره عقب الصلوات وعند المضاجع وعند الانتباه من النوم . قال مجاهد لا يكون العبد ذاكرا لله تعالى ذكرا كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا .

***