فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّـٰٓئِمِينَ وَٱلصَّـٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّـٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّـٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا} (35)

قوله : { إِنَّ المسلمين } بدأ سبحانه بذكر الإسلام الذي هو مجرّد الدخول في الدين والانقياد له مع العمل ، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإسلام قال : «هو أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان » ثم عطف على المسلمين { المسلمات } تشريفاً لهنّ بالذكر ، وهكذا فيما بعد وإن كنّ داخلات في لفظ المسلمين والمؤمنين ونحو ذلك . والتذكير إنما هو لتغليب الذكور على الإناث كما في جميع ما ورد في الكتاب العزيز من ذلك . ثم ذكر { المؤمنين والمؤمنات } وهم من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشرّه كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والقانت : العابد المطيع ، وكذا القانتة . وقيل : المداومين على العبادة والطاعة . والصادق والصادقة هما من يتكلم بالصدق ، ويتجنب الكذب ويفي بما عوهد عليه . والصابر والصابرة هما من يصبر عن الشهوات وعلى مشاق التكليف ، والخاشع والخاشعة هما المتواضعان لله الخائفان منه الخاضعان في عباداتهم لله . والمتصدّق والمتصدّقة هما من تصدّق من ماله بما أوجبه الله عليه . وقيل : ذلك أعمّ من صدقة الفرض والنفل ، وكذلك الصائم والصائمة ، قيل : ذلك مختصّ بالفرض ، وقيل : هو أعمّ . والحافظ والحافظة لفرجيهما عن الحرام بالتعفف والتنزّه ، والاقتصار على الحلال . والذاكر والذاكرة هما من يذكر الله على أحواله ، وفي ذكر الكثرة دليل على مشروعية الاستكثار من ذكر الله سبحانه بالقلب واللسان ، واكتفى في الحافظات بما تقدّم في الحافظين من ذكر الفروج ، والتقدير : والحافظين فروجهم والحافظات فروجهن ، وكذا في الذاكرات ، والتقدير : والذاكرين الله كثيراً والذاكرات الله كثيراً ، والخبر لجميع ما تقدّم هو قوله : { أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } أي مغفرة لذنوبهم التي أذنبوها ، وأجراً عظيماً على طاعاتهم التي فعلوها من الإسلام والإيمان ، والقنوت ، والصدق والصبر والخشوع ، والتصدق والصوم والعفاف والذكر . ووصف الأجر بالعظم للدلالة على أنه بالغ غاية المبالغ ، ولا شيء أعظم من أجر هو الجنة ونعيمها الدائم الذي لا ينقطع ولا ينفد ، اللهم اغفر ذنوبنا وأعظم أجورنا .

/خ36