45- وترى الظالمين - كذلك - يُعرضون على النار متضائلين بسبب ما رأوه من الهول وما نزل بهم من الهوان ، يسارقون النظر إلى النار خوفاً من مكارهها ، ويقول المؤمنون - حينئذ - : إن الخاسرين حقا هم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ، وخسروا أزواجهم وأولادهم وأقاربهم بما حيل بينهم ، ويُنبِّه الله إلى أن الظالمين في عذاب دائم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذّلّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيّ وَقَالَ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ الْخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنّ الظّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مّقِيمٍ } .
يقول تعالى ذكره : وترى يا محمد الظالمين يعرضون على النار خاشِعِينَ مِنَ الذّلّ يقول : خاضعين متذللين . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، : الخشوع : الخوف والخشية لله عزّ وجلّ ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : لَمّا رأَوُا العَذَابَ . . . إلى قوله : خاشِعِينَ مِنَ الذّلّ قال : قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : خاشِعِينَ قال : خاضعين من الذلّ .
وقوله : يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ يقول : ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفيّ .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : مِنْ طَرْفٍ خَفِيَ فقال بعضهم : معناه : من طرف ذليل . وكأن معنى الكلام : من طرف قد خَفِي من ذلّةٍ . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذّلّ . . . إلى قوله : مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ يعني بالخفيّ : الذليل .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله عزّ وجلّ : مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ قال : ذليل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يسارقون النظر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ قال : يسارقون النظر .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ قال : يسارقون النظر .
واختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك : جعل الطرف العين ، كأنه قال : ونظرهم من عين ضعيفة ، والله أعلم . قال : وقال يونس : إن مِنْ طَرْفٍ مثل بطرفٍ ، كما تقول العرب : ضربته في السيف ، وضربته بالسيف .
وقال آخر منهم : إنما قيل : مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ لأنه لا يفتح عينيه ، إنما ينظر ببعضها .
وقال آخرون منهم : إنما قيل : مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم ، لأنهم يُحشرُون عُميا .
والصواب من القول في ذلك ، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد ، وهو أن معناه : أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل ، وصفه الله جلّ ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم ، حتى كادت أعينهم أن تغور ، فتذهب .
وقوله : وَقالَ الّذِينَ آمَنُوا إنّ الخاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ يقول تعالى ذكره : وقال الذين آمنوا بالله ورسوله : إن المغبونين الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في الجنة . كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامةِ قال : غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة .
وقوله : ألا إنّ الظّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ يقول تعالى ذكره : ألا إن الكافرين يوم القيامة في عذاب لهم من الله مُقيم عليهم ، ثابت لا يزول عنهم ، ولا يَبيد ، ولا يخفّ .
{ وتراهم يعرضون عليها } على النار ، ويدل عليه { العذاب } . { خاشعين من الذل } متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل . { ينظرون من طرف خفي } أيبتدئ نظرهم إلى النار مع تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف . { وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم } بالتعريض للعذاب المخلد . { يوم القيامة } ظرف ل { خسروا } والقول في الدنيا ، أو لقال أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال . { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم .
والضمير في قوله : { عليها } عائد على النار ، وعاد الضمير مع أنها لم يتقدم لها ذكر من حيث دل عليها قوله : { رأوا العذاب }
وقوله : { من الذل } يحتمل أن يتعلق ب { خاشعين } ويحتمل أن يتعلق بما بعده من قوله : { ينظرون } .
وقرأ طلحة بن مصرف : «من الذِل » بكسر الذال .
والخشوع : الاستكانة ، وقد يكون محموداً ، وما يخرجه إلى حالة الذم قوله : { من الذل } فيقوى على هذا تعلق : { من } ب : { خاشعين } .
وقوله : { من طرف خفي } يحتمل ثلاثة معان . قال ابن عباس : خفي ذليل .
قال القاضي أبو محمد : لما كان نظرهم ضعيفاً ولحظهم بمهانة وصفه بالخفاء ، ومن هذا المعنى قول الشاعر [ جرير بن عطية ] :
فغض الطرف إنك من نمير{[10168]} .
وقال قوم فيما حكى الطبري : لما كانوا يحشرون عمياً وكان نظرهم بعيون قلوبهم جعله طرفاً خفياً ، أي لا يبدو نظرهم ، وفي هذا التأويل تكلف .
وقال قتادة والسدي : المعنى يسارقون النظر لما كانوا من الهم وسوء الحال لا يستطيعون النظر بجميع العين ، وإنما ينظرون من بعضها . قال : { من طرف خفي } أي قليل . ف «الطرف » هنا على هذا التأويل يحتمل أن يكون مصدراً ، أي يطرف طرفاً خفياً . وقول : { الذين آمنوا } هو في يوم القيامة عندما عاينوا حال الكفار وسوء منقلبهم . وخسران الأهلين : يحتمل أن يراد به أهلوهم الذين كانوا في الدنيا ، ويحتمل أن يراد به أهلوهم الذين كانوا يكونون لهم في الجنة أن لو دخلوها .
وقوله تعالى : { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } يحتمل أن يكون من قول المؤمنين يومئذ حكاه الله عنهم ، ويحتمل أن يكون استئنافاً من قول الله تعالى وإخباره لمحمد عليه السلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.