الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ} (45)

ثم قال تعالى : { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل } أي وترى يا محمد الظالمين يوم القيامة يعرضون على النار خاضعين مما بهم من الذلة والخوف .

ثم قال : { ينظرون من طرف خفي } أي : ينظر هؤلاء الظالمون{[61063]} إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفي ، أي{[61064]} : من طرف ذليل من كثرة الخوف والإشفاق لتيقنهم أنهم داخلون فيها .

قال ابن عباس ومجاهد : { من طرف خفي } أي : ذليل{[61065]} وهو اختيار الطبري ، قال : ( وصفه الله بالخفاء للذلة{[61066]} التي قدر ركبتهم حتى كادت أعينهم تغور{[61067]} فتذهب ){[61068]} .

وقال ابن جبير ، يسارقون النظر من الخوف ، وقاله السدي وابن كعب{[61069]} .

وقال بعض أهل العربية : تقديره{[61070]} : من عين ضعيفة النظر{[61071]} والطرف عنده هنا العين .

وقال يونس{[61072]} ( من ){[61073]} بمعنى الباء . والتقدير : بطرف خفي .

وقال : إنما قال من طرف خفي لأنه لا يفتح عينه ، إنما ينظر ببعضها إشفاقا{[61074]} .

وقيل : ( إنما قيل ذلك لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم لا بأعينهم لأنهم يحشرون عميا ){[61075]} .

ووقف بعض العلماء على { خاشعين } ووقف أكثرهم على { خفي }{[61076]} . فتكون { من } في قوله : { من الذل }{[61077]} إن وقفت على { خاشعين } ( متعلقة ب { ينظرون } ){[61078]} .

وإن وقفت على { خفي } كانت { من } متعلقة ب{ ينظرون } ) .

وإن وقفت على { خفي } كانت { من } متعلقة ب { خاشعين } .

ثم قال تعالى : { وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة } أي : وقال المؤمنون يوم القيامة : إن المغبونين ، الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة .

قال السدي : غبنوا ذلك في الجنة{[61079]} .

وقال ابن عباس : هم الذين خلقوا للنار وخلقت النار لهم ، خلفوا أهليهم وأموالهم في الدنيا ، وصاروا إلى النار فحرموا الجنة والدنيا{[61080]} .

وقال قتادة : خسروا أهليهم الذين أعدوا لهم في الجنة لو أطاعوا .

وقيل : لما كان المؤمنون يجتمعون مع أهليهم في الجنة وكان الكفار لا يجتمعون معهم كانوا قد خسروهم .

ثم قال : { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } أي : دائم ثابت لا يزول أبدا .


[61063]:(ت): الظلمين.
[61064]:فوق السطر في (ت).
[61065]:انظر تفسير مجاهد 2/577، وجامع البيان 25/26 حيث ورد بلفظه، والمحرر الوجيز 14/233، وجامع القرطبي 16/45. وهو في تفسير مجاهد عن مجاهد فقط. وفي المحرر الوجيز عن ابن عباس فقط.
[61066]:(ح): للدلالة بالمهملة.
[61067]:(ح): تعون.
[61068]:انظر جامع البيان 25/26.
[61069]:انظر جامع القرطبي 16/45، وقد رواه الطبري في جامع البيان 25/26، وابن عطية في المحرر الوجيز 14/233 عن قتادة والسدي.
[61070]:(ح): تقدير.
[61071]:قاله الأخفش في معانيه 2/687، وانظر جامع القرطبي 16/45.
[61072]:هو يونس بن حبيب الضبي بالولاء، أبو عبد الرحمن البصري النحوي. أخذ العربية عن أبي عمرو وحماد بن سلمة، وروى عنه سيبويه والكسائي والفراء. توفي سنة 182 هـ. انظر غاية النهاية 2/406 ت 3947، وبغية الوعاة 2/365 ت 2206.
[61073]:ساقط من (ت).
[61074]:وقال بهذا المعنى أبو عبيدة في مجازه 2/201.
[61075]:انظر جامع البيان 25/26، ومعاني الزجاج 4/402.
[61076]:انظر القطع والإئتناف 644، والمكتفى 504، والمقصد 77.
[61077]:(ح): الدال.
[61078]:(ح): وتعلقت ينظرون.
[61079]:انظر جامع البيان 25/26.
[61080]:انظر إعراب النحاس 4/91.