( سورة الرعد ) سورة مكية وسميت ( الرعد ) لما اشتملت عليه من تقديس الرعد لله تعالي . وعدد آياتها ثلاث وأربعون آية ، وقد ابتدأت ببيان منزلة القرآن الكريم ، وأنه بوحي من الله ، ثم بينت سلطان الله تعالي في الكون ونبهت إلي ما فيه من إبداع ومنافع ، ثم انتقلت من بيان قدرة الله تعالي في الإنشاء إلي قدرته علي الإعادة والبعث ، وعلي الله تعالي بكل شيء ، وإلي بيان قدرته علي العقاب في الدنيا ، وعليه يقاس العقاب في الآخرة . ثم وجهت الأنظار إلي ما في الكون من عجائب تبهر ، وبعد ذلك بين الله تعالي أحوال الناس في تلقيهم للهدى القرآني ، ثم ذكر أوصاف المؤمنين في علاقتهم بالإنسانية ، وأخلاق الكافرين وتعنتهم في طلب معجزات غير القرآن مع عظم منزلته ، وعظم استهزائهم برسولهم ، وبين للرسول أنه قد استهزئ برسل من قبله ، وأن الله تعالي قائم علي الأشياء والنفوس ، وأنه مجاز كلا بما يستحق ، وأن القرآن هو المعجزة الكبرى الباقية إلي يوم القيامة ، وأن الله تعالي هو الذي يؤيد رسله بما يراه من معجزات وإذا كان المشركون ينكرون رسالة النبي فالله يشهد بصدقها وحسبه ذلك وكفي .
1- ألف . لام . ميم . راء . هذه حروف صوتية تبدأ بها بعض سور القرآن ، وهي تشير إلي أنه معجز مع أنه مكون من الحروف التي تتكون منها كلمات العرب ، وهذه الحروف الصوتية كانت تجذب العرب ، لسماع القرآن . ذلك أن المشركين تواصوا فيما بينهم ألا يسمعوا هذا القرآن ، فكان المؤمنون إذا ابتدأوا بهذه الحروف الصوتية استرعى ذلك أسماع المشركين فيسمعون .
إن تلك الآيات العظيمة هي هذا القرآن ، الكتاب العظيم الشأن الذي نزل عليك - أيها النبي - بالحق والصدق من الله الذي خلقك واصطفاك ، ولكن أكثر المشركين الذين كفروا بما جاء به من الحق ليس من شأنهم أن يذعنوا للحق ، بل هم يعاندون فيه .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
{ الَمَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ الْحَقّ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
قال أبو جعفر : قد بينا القول في تأويل قوله ( الر ) و ( المر ) ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادتها ، غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصّا به كلّ سورة افتُتِح أوّلها بشيء منها . فمما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه ، التفريق بين معنى ما ابتدىء به أوّلها مع زيادة الميم التي فيها على سائر سور ذوات الراء ، ومعنى ما ابتدىء به أخواتها ، مع نقصان ذلك منها عنها . ذكر الرواية بذلك عنه :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن هشيم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : المر قال : أنا الله أرى .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس : قوله : المر قال : أنا الله أرى .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : المر : فواتح يفتتح بها كلامه .
وقوله : تِلْكَ آياتُ الكِتاب يقول تعالى ذكره : تلك التي قصصت عليك خبرها آياتُ الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك .
وقيل : عنى بذلك : التوراة والإنجيل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : المر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الكتب التي كانت قبل القرآن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : تِلْكَ آياتُ الكتاب قال : التوراة والإنجيل .
وقوله : والّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ الحَقّ ( وهو القرآن ) فاعمل بما فيه واعتصم به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : والّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ الحَقّ قال : القرآن .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : والّذِي أُنْزِل إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ الحَقّ : أي هذا القرآن .
وفي قوله : وَالّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ وجهان من الإعراب : أحدهما الرفع على أنه كلام مبتدأ ، فيكون مرفوعا ب «الحق » و «الحق به » . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما . والاَخر : الخفض على العطف به على الكتاب ، فيكون معنى الكلام حينئذٍ : تلك آيات التوراة والإنجيل والقرآن ، ثم يبتدىء الحقّ بمعنى ذلك الحقّ ، فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغني بدلالة الظاهر عليه منه . ولو قيل : معنى ذلك : تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحقّ ، وإنما أدخلت الواو في «والذي » ، وهو نعت للكتاب ، كما أدخلها الشاعر في قوله :
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمام *** ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمْ
فعطف بالواو ، وذلك كله من صفة واحد ، كان مذهبا من التأويل ولكن ذلك إذا تؤوّل كذلك فالصواب من القراءة في «الحقّ الخفض » على أنه نعت ل «الذي » .
وقوله : وَلكِنّ أكْثَرَ النّاس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك ، ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيِه .
{ آلمر } قيل معناه أنا الله أعلم وأرى . { تلك آيات الكتاب } يعني بالكتاب السورة و { تلك } إشارة إلى آياتها أي : تلك الآيات آيات السورة الكاملة أو القرآن . { والذي أُنزل إليك من ربك } هو القرآن كله ومحله الجر بالعطف على { الكتاب } عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى ، أو الرفع بالابتداء وخبره { الحق } والجملة كالحجة على الجملة الأولى ، وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكونه حقا فهم أعم من المنزل صريحا أو ضمنا ، كالمثبت بالقياس وغيره مما نطق المنزل بحسن اتباعه . { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.