المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

123- إن الجزاء ليس هو ما يتمناه ويحلم به الإنسان من غير عمل طيِّب مثمر ، فليس الجزاء بما تتمنون - أيها المسلمون - ولا بما يتمناه ويحلم به أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وإنما الجزاء والنجاة من العذاب بالإيمان والعمل الصالح ، ومن يعمل سيئاً يُجْزَ به ، ولا يجد له من دون الله من يواليه أو ينصره .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

ثم بين - سبحانه - أن الوصول إلى رضوانه لا يكون بالأمانى والأوهام وإنما يكون بالإِيمان والعمل الصالح فقال : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } .

والأمانى : جمع أمنية . وهى ما يتمناه الإِنسان ويرغب فيه ويشتهيه من أشياء متنوعة . كحصوله على الخير الوفير فى الدنيا ، وعلى الجنة فى الآخرة . وهى مأخوذة من التمنى .

وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها قول قتادة : ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا . فقال أهل الكتاب . نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى منكم . وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، ونبينا خاتم النبيين . وكتابنا يقضى على الكتب التى كانت قبله . فأنزل الله : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب } . الآية .

وقال مجاهد : قالت العرب لن نبعث ولن نعذب . وقالت اليهود والنصارى { لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى } فأنزل الله - تعالى - { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } . الآية .

والضمير فى قوله { لَّيْسَ } يعود إلى ما تقدم ذكره من الوعد المتقدم وهو نيل الثواب ودخول الجنة .

والخطاب لجميع الفرق التى حدث بينهما تنازع فى شأن الدين الحق ، وفى شأن ما يترتب على ذلك من ثواب .

والمعنى : ليس ما وعدا لله به من الثواب أو إدخال الجنة ، أو ليس ما تحاورتم فيه حاصلا بمجرد أمانكم - أيها المسلمون - أو أمانى أهل الكتاب أو غيرهم ، وإنما ما تمنيتموه جميعا يحصل بالإِيمان الصادق ، وبالعمل الصالح ، وبالسعى والجد فى طاعة الله ، فقد اقتضت سنة الله - تعالى - أن من يعمل خيرا يجد خيرا ، و { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } أى : من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا يجازه الله بها عاجلا أو آجلا إذا تاب ، أو تفضل الله عليه بالمغفرة إذا كان مؤمنا .

وقد سار ابن كثير فى تفسيره على أن الخطاب لجميع الطوائف فقال : " والمعنى فى هذه الآية أن الدين ليس بالتحلى ولا بالتمنى ، ولكن ما وقر فى القلوب وصدقته الأعمال . وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان ؛ ولهذا قال : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب } .

أى ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمنى . بل العبرة بطاعة الله - سبحانه - واتباع ما شرعه على ألسنة رسله ولهذا قال بعده { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } . كقوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } ومنهم من يرى أن الخطاب فى قوله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } للمسلمين .

وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف بقوله : فى { لَّيْسَ } ضمير وعد الله أى : ليس ينال ما وعد الله من الثواب { بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا } بأمانى أهل الكتاب . والخطاب للمسلمين ، لأنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به . وكذلك ذكر أهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم فى الإيمان بوعد الله .

ومنهم من يرى أن الخطاب للمشركين . وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه : وأولى الأقوال بالصواب فى ذلك ما قاله مجاهد من أنه عنى بقوله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } . مشركى قريش . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب . لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآى قبل قوله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } وإنما جرى ذكر أمانى نصيب الشيطان المفروض فى قوله قبل ذلك . { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ } وقوله { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } فإلحاق معنى قوله - تعالى - { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } بما ذكره قبل أحق وأولى من ادعاء تأويل فيه لا دالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا من أثر الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومع وجاهة هذا الرأى الذى سار عليه ابن جرير ، إلا أنا نؤثر عليه ما ذهب إليه ابن كثير من أن الآية الكريمة تخاطب الناس جميعا سواء أكانوا مؤمنين أم مشركين أم من أهل الكتاب . لأن الآية الكريمة تضع لهم جميعا قاعدة عامة وهى أن الوصول إلى ثواب الله ورضاه لا ينال بالأمانى والأحلام وإنما ينال بالإِيمان والعمل الصالح .

وقوله { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } جملة مكونة من شرط وجزاء . والمراد بالسوء ما يشمل الكفر والمعاصى . وقيل : المراد بالسوء هنا الكفر فقط .

قال الآوسى قوله - تعالى - : { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } أى : عاجلا أو آجلا .

فقد أخرج الترمذى وغيره " عن أبى بكر الصديق قال : كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية . فقال رسول الله : يا أبا بكر ألا أقرئك أية نزلت على ؟ فقلت : بلى يا رسول الله . فأقرأنيها فلا أعلم إلا أنى وجدت انفصاما فى ظهرى . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . مالك يا أبا بكر ؟ قلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله وأينا لم يعمل السوء . وإنما لمجزيون بكل سوء علمناه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون بذلك فى الدنيا حتى تلقوا الله - تعالى - ليس عليكم ذنوب . وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزون يوم القيامة " .

وأخرج مسلم وغيره عن أبى هريرة قال : " لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله - تعالى - فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سددوا وقاربوا فإن كل ما أصاب المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها " .

قال الآلوسى : والأحاديث بهذا المعنى أكثر من أن تحصى . ولهذا أجمع عامة العلماء على أن الأمراض والاسقام ومصائب الدنيا وهمومها - وإن قلت مشقتها - يكفر الله - تعالى - بها الخطيئات ، والأكثرون على أنها - أيضا ترفع بها الدرجات ، وهو الصحيح المعول عليه . فقد صح فى غير ما طريق ؛ " ما من مسلم يشاك شكوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة " .

وقوله - تعالى - { بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } تذليل قصد به تأكيد ما قبله من أن ثواب الله لا ينال إلا بالإيمان والعمل الصالح ، وأن عقابه سيحل بمن يعمل السوء .

أى : أن من يعمل السوء سيجازى به ، ولا يجهد هذا المرتكب للسوء أحدا سوى الله - سبحانه - يلى أمره ويحامى عنه ، ولا نصيرا ينصره ويحاول إنجاءه من عقاب الله - تعالى –

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

114

ثم يعقب السياق بقاعدة الإسلام الكبرى في العمل والجزاء . . إن ميزان الثواب والعقاب ليس موكولا إلى الأماني . إنه يرجع إلى أصل ثابت ، وسنة لا تتخلف ، وقانون لا يحابي . قانون تستوي أمامه الأمم - فليس أحد يمت إلى الله سبحانه بنسب ولا صهر - وليس أحد تخرق له القاعدة ، وتخالف من أجله السنة ، ويعطل لحسابه القانون . . إن صاحب السوء مجزى بالسوء ؛ وصاحب الحسنة مجزى بالحسنة . ولا محاباة في هذا ولا مماراة :

( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب . من يعمل سوءا يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . . ومن يعمل من الصالحات - من ذكر أو أنثى وهو مؤمن - فأولئك يدخلون الجنة ، ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - وهو محسن - واتبع ملة إبراهيم حنيفا ، واتخذ الله إبراهيم خليلاً ) .

ولقد كان اليهود والنصارى يقولون : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) . . وكانوا يقولون : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) . . وكان اليهود ولا يزالون يقولون : إنهم شعب الله المختار !

ولعل بعض المسلمين كانت تراود نفوسهم كذلك فكرة أنهم خير أمة أخرجت للناس . وأن الله متجاوز عما يقع منهم . . بما أنهم المسلمون . .

ولقد شق على المسلمين قول الله لهم :

( ومن يعمل سوء ا يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا ) . .

فقد كانوا يعرفون طبيعة النفس البشرية ؛ ويعرفون أنها لا بد أن تعمل سوءا . مهما صلحت ، ومهما عملت من حسنات .

كانوا يعرفون النفس البشرية - كما هي في حقيقتها - وكانوا من ثم يعرفون أنفسهم . . لم يخدعوا أنفسهم عن حقيقتها ؛ ولم يخفوا عن أنفسهم سيئاتها ؛ ولم يتجاهلوا ما يعتور نفوسهم من ضعف أحيانا ، ولم ينكروا أو يغطوا هذا الضعف الذي يجدونه . ومن ثم ارتجفت نفوسهم ، وهم يواجهون بأن كل سوء يعملونه يجزون به . ارتجفت نفوسهم كالذي يواجه العاقبة فعلا ويلامسها ، وهذه كانت ميزتهم . أن يحسوا الآخرة على هذا النحو ، ويعيشوا فيها فعلا بمشاعرهم كأنهم فيها . لا كأنها آتية لا ريب فيها فحسب ! ومن ثم كانت رجفتهم المزلزلة لهذا الوعيد الأكيد !

قال الإمام أحمد : حدثنا عبدالله بن نمير ، حدثنا إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، قال : " أخبرت أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال : " يا رسول الله ، كيف الفلاح بعد هذه الآية ؟ ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوءا يجز به ) . . فكل سوء عملناه جزينا به . . فقال النبى [ ص ] : " غفر الله لك يا أبا بكر . ألست تمرض ؟ ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ " قال بلى ! قال : " فهو مما تجزون به " . . [ ورواه الحاكم عن طريق سفيان الثورى عن إسماعيل . ]

وروى أبو بكر بن مردويه - بإسناده - إلى ابن عمر ، يحدث عن أبى بكر الصديق . قال : كنت عند النبى [ ص ] فنزلت هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا )فقال رسول الله [ ص ] : " يا أبا بكر ، ألا أقرئك آية نزلت علي ؟ " قال : قلت يا رسول الله فأقرأنيها . . فلا أعلم أني قد وجدت انفصاما في ظهري ، حتى تمطيت لها ! فقال رسول الله [ ص ] : " مالك يأ أبا بكر ؟ " فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! وأينا لم يعمل السوء ، وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه ! فقال رسول الله [ ص ] : " أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فإنكم تجزون بذلك في الدنيا ، حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب . وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة " . [ وكذا رواه الترمذي ] .

وروى ابن أبى حاتم - بإسناده - عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله إنى لأعلم أشد آية في القرآن . فقال : " ما هي يا عائشة ؟ " قلت : ( من يعمل سوءا يجز به )فقال . " ما يصيب العبد المؤمن ، حتى النكبة ينكبها " . [ ورواه ابن جرير ] .

وروى مسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة - بإسناده - عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : لما نزلت : ( من يعمل سوءا يجز به )شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله [ ص ] : " سددوا وقاربوا فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة . حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها " . .

على أية حال لقد كانت هذه حلقة في إنشاء التصور الإيماني الصحيح عن العمل والجزاء . ذات أهمية كبرى في استقامة التصور من ناحية ، واستقامة الواقع العملي من ناحية أخرى . ولقد هزت هذه الآية كيانهم ، ورجفت لها نفوسهم ، لأنهم كانوا يأخذون الأمر جدا . ويعرفون صدق وعد الله حقا . ويعيشون هذا الوعد ويعيشون الآخرة وهم بعد في الدنيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

قال قتادة : ذُكرَ لنا أنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ]{[8356]} } الآية . فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان .

وكذا روي عن السّدي ، ومسروق ، والضحاك وأبي صالح ، وغيرهم وكذا رَوَى العَوْفيّ عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : تخاصَمَ أهل الأديان فقال أهل التوراة : كتابنا خير الكتب ، ونبينا خير الأنبياء . وقال أهل الإنجيل مثل ذلك . وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام . وكتابنا نَسَخَ كلّ كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأُمرْتُم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا . فقضى الله بينهم فقال : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } وخَيَّر بين الأديان فقال : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ]{[8357]} } إلى قوله : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا }

وقال مجاهد : قالت العرب : لن نبْعث ولن نُعذَّب . وقالت اليهود والنصارى : { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } [ البقرة : 111 ] وقالوا { لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] .

والمعنى في هذه الآية : أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ، وليس كُلّ من ادعى شيئًا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال : " إنه هو المُحق " سمع قوله بمجرد ذلك ، حتى يكون له من الله برهان ؛ ولهذا قال تعالى : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي : ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني ، بل العبرة بطاعة الله ، واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام ؛ ولهذا قال بعده : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } كقوله { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ، 8 ] .

وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نُمَيْر ، حدثنا إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير قال : أخْبرْتُ أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، كيف الصلاح بعد هذه الآية : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فَكُل سوء عملناه جزينا به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غَفَر اللَّهُ لكَ يا أبا بكر ، ألستَ تَمْرضُ ؟ ألستَ تَنْصَب ؟ ألست تَحْزَن ؟ ألست تُصيبك اللأواء{[8358]} ؟ " قال : بلى . قال : " فهو ما تُجْزَوْنَ به " .

ورواه سعيد بن منصور ، عن خلف بن خليفة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، به . ورواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يَعلى ، عن أبي خَيْثَمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، به . ورواه الحاكم من طريق سفيان الثوري ، عن إسماعيل به{[8359]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن زياد الجصاص ، عن علي بن زيد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : سمعت أبا بكر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يعمل سُوءًا يُجْزَ بِهِ في الدنيا " {[8360]} .

وقال أبو بكر بن مَرْدُويه : حدثنا أحمد بن هُشَيْم بن جُهَيْمَة ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا زياد الجصاص ، عن علي بن زيد ، عن مجاهد قال : قال عبد الله بن عمر : انظروا المكان الذي به عبد الله بن الزبير مصلوبًا ولا تمرُّنَّ عليه . قال : فسها الغلام ، فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزبير فقال : يغفر الله لك ثلاثًا ، أما والله ما علمتك إلا صوّامًا قوّامًا وصّالا{[8361]} للرحم ، أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما أصبتَ ألا يعذبك الله بعدها . قال : ثم التفت إلي فقال : سمعت أبا بكر الصديق يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يعمل سوءًا في الدنيا يجز به " .

ورواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن الفضل بن سهل ، عن عبد الوهاب بن عطاء ، به{[8362]} مختصرا . وقد قال في مسند ابن الزبير : حدثنا إبراهيم بن المستمر العُروفي{[8363]} حدثنا عبد الرحمن بن سليم بن حَيّان ، حدثني أبي ، عن جدي حيان بن بسطام ، قال : كنت مع ابن عمر ، فمر بعبد الله بن الزبير وهو مصلوب ، فقال : رحمك الله أبا خُبيب ، سمعت أباك - يعني الزبير - يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يعمل سوءًا يُجْزَ به في الدنيا والأخرى " ثم قال : لا نعلمه يروي عن الزبير إلا من هذا الوجه . {[8364]}

وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا موسى بن عبيدة ، حدثني مولى بن سِبَاع قال : سمعت ابن عمر يحدث ، عن أبي بكر الصديق قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ، هل أقرئك آية نزلت علي ؟ " قال : قلت : بلى يا رسول الله . فأقرأنيها فلا أعلم إلا أني وجدت انقصَامًا في ظهري حتى تمطأت{[8365]} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مالك يا أبا بكر ؟ " قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وأينا لم يعمل السوء ، وإنا لمجْزيُّون بكل سوء عملناه ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فَتُجْزَوْنَ بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ، وليس لكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة " .

وهكذا رواه الترمذي عن يحيى بن موسى ، وعبد بن حميد ، عن روح بن عبادة ، به . ثم قال : وموسى بن عبيدة يضعف ، ومولى بن سباع مجهول{[8366]} .

[ وقال ابن جرير : حدثنا الغلام ، حدثنا الحسين ، حدثنا الحجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني عطاء بن أبي رباح قال : لمَّا نزلت قال أبو بكر : يا رسول الله ، جاءت قاصمة الظهر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما هي المصائب في الدنيا " ]{[8367]} .

طريق أخرى عن الصديق : قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري ، حدثنا محمد بن عامر السعدي ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن سليمان بن مهران ، عن مسلم بن صُبَيح ، عن مسروق قال : قال أبو بكر [ الصديق ]{[8368]} يا رسول الله ، ما أشد هذه الآية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء " {[8369]} .

طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني عبد الله بن أبي زياد وأحمد بن منصور قالا حدثنا زيد بن الحُبَاب ، حدثنا عبد الملك بن الحسن الحارثي ، حدثنا محمد بن زيد بن قُنْفُذ{[8370]} عن عائشة ، عن أبي بكر قال : لما نزلت : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : يا رسول الله ، كل ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال : " يا أبا بكر ، أليس يصيبك كذا وكذا ؟ فهو كفارة " {[8371]} .

حديث آخر : قال سعيد بن منصور : أنبأنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن بكر بن سوادة حدثه ، أن يزيد بن أبي يزيد حدثه ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة : أن رجلا تلا هذه الآية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فقال : إنا لنُجْزَى بكل عَمَل{[8372]} ؟ هلكنا إذًا . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نعم ، يجزى به المؤمن في الدنيا ، في نفسه ، في جسده ، فيما يؤذيه " {[8373]} .

طريق{[8374]} أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن بشير ، حدثنا هُشَيْم ، عن أبي عامر ، عن ابن أبي مُلَيْكة ، عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، إني لأعلم أشد آية في القرآن . فقال : " ما هي يا عائشة ؟ " قلت : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فقال : " هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النَّكْبَة يَنْكُبها " .

رواه ابن جرير من حديث هشيم ، به . ورواه أبو داود ، من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخزاز{[8375]} به{[8376]} .

طريق أخرى : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الآية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فقالت : ما سألني عن هذه الآية أحد منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عائشة ، هذه مبايعة الله للعبد ، مما يصيبه من الحمى والنَّكْبَة والشوكة ، حتى البضاعة فيضعها في كُمِّه فيفزع لها ، فيجدها في جيبه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التِّبْرُ الأحمر من الكِير " {[8377]} .

طريق أخرى : قال ابن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن أحمد بن{[8378]} إبراهيم ، حدثنا أبو القاسم ، حدثنا سُرَيج{[8379]} بن يونس ، حدثنا أبو معاوية ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن زيد بن المهاجر ، عن عائشة قالت : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال : " إن المؤمن يؤجر في كل شيء حتى في الفَيْظ{[8380]} عند الموت " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كثرت ذنوب العبد ، ولم يكن له ما يكفرها ، ابتلاه الله بالحَزَن ليُكَفِّرها عنه " {[8381]} .

حديث آخر : قال سعيد بن منصور ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمر بن عبد الرحمن بن مُحَيْصِن ، سمع محمد بن قيس بن مَخْرَمَة ، يخبر أن أبا هريرة ، رضي الله عنه ، قال : لما نزلت : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } شَقّ ذلك على المسلمين ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سَدِّدوا وقاربوا ، فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يُشَاكها ، والنَّكْبَة يَنْكُبُهَا " .

وهكذا رواه أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، ومسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ، به{[8382]} ورواه ابن مَردُويه من حديث روح ومعتمر كلاهما ، عن إبراهيم بن يزيد{[8383]} عن عبد الله بن إبراهيم ، سمعت أبا هريرة يقول : لما نزلت هذه الآية : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } بكينا وحزنا وقلنا : يا رسول الله ، ما أبقت هذه الآية من شيء . قال : " أما والذي نفسي بيده إنّها لكما نزلت ، ولكن أبشروا وقاربوا وسَدِّدوا ؛ فإنه لا يصيب أحدًا منكم في الدنيا إلا كفَّر الله بها خطيئته ، حتى الشوكة يُشَاكها أحدكم في قدمه " {[8384]} .

وقال عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد وأبي هريرة : إنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما يصيب المؤمن من نَصب ولا وَصَب ولا سَقَم ولا حَزَن ، حتى الهم يُهَمّه ، إلا كُفّر به من سيئاته " أخرجاه{[8385]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن سعد بن إسحاق ، حدثتني زينب بنت كعب بنُ عُجْرَة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ؟ ما لنا بها ؟ قال : " كفارات " . قال أبي : وإن قَلَّتْ ؟ قال : " وإن شوكة فما فوقها " قال : فدعا أبي على نفسه أنه لا يفارقه الْوَعْك حتى يموت ، في ألا يشغله عن حج ولا عمرة ، ولا جهاد في سبيل الله ، ولا صلاة مكتوبة في جماعة ، فما مسه إنسان إلا وجد حره ، حتى مات ، رضي الله عنه . تفرد به أحمد{[8386]} .

حديث آخر : روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقد ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : قيل : يا رسول الله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } ؟ قال : " نعم ، ومن يعمل حسنة يُجزَ بها عشرا . فهلك من غلب واحدته{[8387]} عشرًا " {[8388]} .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال : الكافر ، ثم قرأ : { وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] .

وهكذا رُوي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير : أنهما فسرا السوء هاهنا بالشرك أيضًا .

وقوله : { وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : إلا أن يتوب فيتوب الله عليه . رواه ابن أبي حاتم .

والصحيح أن ذلك عامٌّ في جميع الأعمال ، لما تقدم من الأحاديث ، وهذا اختيار ابن جرير ، والله أعلم .


[8356]:زيادة من ر، أ.
[8357]:زيادة من ر.
[8358]:في أ: "ألست يصيبك أذى".
[8359]:المسند (1/11) وسنن سعيد بن منصور برقم (696) وصحيح ابن حبان برقم (1734) "موارد" والمستدرك (3/74).
[8360]:المسند (1/6).
[8361]:في ر، أ: "وصولا".
[8362]:مسند البزار برقم (21)، وقال الدارقطني في العلل (4/223): "رواه زياد الجصاص واختلف عنه، فرواه عبد الوهاب بن عطاء عن زياد عن علي بن زيد عن مجاهد عن ابن عمر عن أبي بكر، وخالفه أبو عاصم العباداني فرواه عن زياد الجصاص عن سالم عن ابن عمر عن عمر، وليس فيه شيء يثبت".
[8363]:في ر، أ: "العوفي".
[8364]:مسند البزار برقم (962)، وقال الهيثمي في المجمع (7/12) "فيه عبد الرحمن بن سليم بن حيان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"، والظاهر أنه عبد الرحيم، كما في العلل للدارقطني (4/223) حين سئل عن طريق سليم بن حيان عن أبيه عن ابن عمر فقال: يقوله عبد الرحمن بن سليم بن حيان عن أبيه عن ابن عمر، وقال مرة: عن أبيه عن نافع عن ابن عمر، وعبد الرحيم ضعيف، وزياد ضعيف".
[8365]:في ر، أ: "تمطأت لها".
[8366]:سنن الترمذي برقم (3039).
[8367]:زيادة من أ.
[8368]:زيادة من أ.
[8369]:ورواه أبو نعيم في الحلية (8/119) من هذا الطريق به، وفيه محمد السعدي كان يكذب ويضع.
[8370]:في أ: "نمير".
[8371]:تفسير الطبري (9/240).
[8372]:في أ: "عمل عملنا".
[8373]:سنن سعيد بن منصور برقم (699) ورواه أحمد في المسند (6/65) من طريق عبد الله بن وهب به.
[8374]:في أ: "حديث".
[8375]:في ر، أ: "الجزار".
[8376]:تفسير الطبري (9/246) وسنن أبي داود برقم (3093).
[8377]:مسند الطيالسي برقم (1584) ورواه أحمد في المسند (6/218) من طريق حماد بن سلمة به.تنبيه: وقع عند الطيالسي "معاتبة" بدل: "مبايعة" وعند أحمد "متابعة".
[8378]:في ر: "أبو".
[8379]:في ر، أ: "شريح".
[8380]:في ر: "الغيض"، وفي أ: "الغيط". الفيظ: خروج الروح.
[8381]:المسند (6/157).
[8382]:سنن سعيد بن منصور برقم (694) والمسند (2/248) وصحيح مسلم برقم (2574)، وسنن الترمذي برقم (5029)، وسنن النسائي الكبرى برقم (11122).
[8383]:في أ: "زيد".
[8384]:في إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزمي ضعيف.
[8385]:صحيح البخاري برقم (5641، 5642). وصحيح مسلم برقم (2573).
[8386]:المسند (3/23)، ورواه أبو يعلى في مسنده (2/281) وقال الهيثمي في المجمع (2/301): "رجاله ثقات".
[8387]:في ر: "واحد" وفي أ: "واحدة".
[8388]:وإسناده ضعيف جدا كما سبق في المقدمة.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلآ أَمَانِيّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } . .

اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } فقال بعضهم : عُني بقوله { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ } أهل الإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : تفاخر النصارى وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء : نحن أفضل منكم ، وقال هؤلاء : نحن أفضل منكم¹ قال : فأنزل الله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : لما نزلت : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الاَية : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } .

حدثني أبو السائب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ }قال : احتجّ المسلمون وأهل الكتاب ، فقال المسلمون : نحن أهدى منكم ، وقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم ، فأنزل الله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } قال : ففلج عليهم المسلمون بهذه الاَية : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } . . . إلى آخر الاَيتين .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، نبيّنا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضى على الكتب التي كانت قبله . فأنزل الله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } . . . إلى قوله : { وَمَنْ أحْسَنُ دِينا مِمّنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتّبَعَ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفا } فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : التقى ناس من اليهود والنصارى ، فقالت اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا . وقالت النصارى مثل ذلك . فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ، ونبينا بعد نبيكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا . فردّ الله عليهم قولهم ، فقال : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } ثم فضل الله المؤمنين عليهم ، فقال : { وَمَنْ أحْسَنُ دِينا ممّنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتّبَعَ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفا } .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } تخاصم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابُنا أوّل كتاب وخيرها ، ونبينا خير الأنبياء . وقال أهل الإنجيل نحوا من ذلك . وقال أهل الإسلام : لا دين إلا دين الإسلام ، وكتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأُمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم . فقضى الله بينهم ، فقال : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } . ثم خير بين أهل الأديان ، ففضل أهل الفضل ، فقال : { وَمَنْ أحْسَنُ دِينا مِمّنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } . . . إلى قوله : { وَاتّخَذَ اللّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } . . . إلى : { وَلا نَصِيرا } تحاكم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابنا خير من الكتب ، أنزل قبل كتابكم ، ونبيّنا خير الأنبياء . وقال أهل الإنجيل مثل ذلك . وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام ، كتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرتم وأُمرنا أن نؤمن بكتابكم ، ونعمل بكتابنا . فقضى الله بينهم فقال : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } وخير بين أهل الأديان فقال : { وَمَنْ أحْسَنُ دِينا مِمّنْ أسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتّبَعَ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفا واتّخَذَ اللّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد وأبو زهير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : جلس ناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الإيمان ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل . فأنزل الله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } ، ثم خصّ الله أهل الإيمان فقال : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : جلس أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الزبور وأهل الإيمان ، فتفاخروا ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وهؤلاء : نحن أفضل . فأنزل الله : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا } .

حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } قال : افتخر أهل الأديان ، فقالت اليهود : كتابنا خير الكتب وأكرمها على الله ، ونبينا أكرم الأنبياء على الله موسى ، كلمه الله قَيَلاً ، وخلا به نجيّا ، وديننا خير الأديان . وقالت النصارى : عيسى بن مريم خاتم الرسل ، وآتاه الله التوراة والإنجيل ، ولو أدركه موسى لاتّبَعَهُ ، وديننا خير الأديان . وقالت المجوس وكفار العرب : ديننا أقدم الأديان وخيرها . وقال المسلمون : محمد نبينا خاتم النبيين ، وسيد الأنبياء ، والفرقان آخر ما أنزل من الكتب من عند الله ، وهو أمين على كلّ كتاب ، والإسلام خير الأديان . فخير الله بينهم ، فقال : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } .

وقال آخرون : بل عنى الله بقوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } : أهل الشرك به من عبدة الأوثان . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } قال : قريش قالت : لن نُبعث ولن نُعذّب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ } قال : قالت قريش : لن نُبعث ولن نُعذّب ، فأنزل الله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } .

حدثني يعقوب ابن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : قالت العرب : لن نبعث ولن نعذّب¹ وقالت اليهود والنصارى : { لَنْ يَدخُلَ الجَنّةَ إلاّ مَنْ كانَ هُودا أو نَصَارَى } ، أو قالوا { لَنْ تمَسّنا النّارُ إلاّ أيّاما مَعْدُودَةً } شكّ أبو بشر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } قال : قريش وكعب بن الأشرف¹ { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصيبا مِنَ الكِتابِ } . . . إلى آخر الاَية ، قال : جاء حيى بن أخطب إلى المشركين ، فقالوا له : يا حُيَيّ إنكم أصحاب كتب ، فنحن خير أم محمد وأصحابه ؟ فقال : أنتم خير منه . فذلك قوله : { ألَمْ تَرَ إَلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ } . . . إلى قوله : { وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيرا } . ثم قال للمشركين : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } فقرأ حتى بلغ : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا } . قال : ووعد الله المؤمنين أن يكفّر عنهم سيئاتهم ، ولم يَعِد أولئك ، وقرأ : { وَالّذِين آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أحْسَنَ الّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ } .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : قالت قريش : لن نُبعث ولن نُعذّب .

وقال آخرون : عُني به أهل الكتاب خاصة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي أسيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } . . . الاَية ، قال : نزلت في أهل الكتاب حين خالفوا النبيّ صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، ما قال مجاهد من أنه عنى بقوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ } مشركي قريش . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الاَي قبل قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ } وإنما جرى ذكر أمانيّ نصيب الشيطان المفروض ، وذلك في قوله : { وَلأُمَنّيَنّهُمْ وَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } وقوله : { يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ } فإلحاق معنى قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ } بما قد جري ذكره قبل أحقّ وأولى من ادّعاء تأويل فيه ، لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا أجماع من أهل التأويل . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الاَية إذن : ليس الأمر بأمانيكم يا معشر أولياء الشيطان وحزبه التي يمنيكموها وليكم عدوّا لله من إنقاذكم ممن أرادكم بسوء ، ونصرتكم عليه ، وإظفاركم به ، ولا أماني أهل الكتاب الذين قالوا اغترارا بالله وبحلمه عنهم : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، فإن الله مجازي كل عامل منكم جزاء عمله ، من يعمل منكم سوء ، أو من غيركم يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة .

ومما يدلّ أيضا على صحة ما قلنا في تأويل ذلك ، وأنه عُني بقوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ } مشركو العرب كما قال مجاهد : إن الله وصف وعد الشيطان ما وعد أولياءه ، وأخبر بحال وعده ، الصادق بقوله : { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْ خِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدا وَعْدَ اللّهِ حَقّا } وقد ذكر جلّ ثناؤه مع وصفه وعد الشيطان أولياءه ، وتمنيته إياهم الأماني بقوله : { يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ } كما ذكر وعد إياهم ، فالذي هو أشبه أن يتبع تمنيته إياهم من الصفة ، بمثل الذي أتبع عدّته إياهم به من الصفة . وإذ كان ذلك كذلك صحّ أن قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } . . . الاَية ، إنما هو خبر من الله عن أمانيّ أولياء الشيطان وما إليه صائرة أمانيهم مع سيىء أعمالهم من سوء الجزاء ، وما إليه صائرة أعمال أولياء الله من حسن الجزاء . وإنما ضمّ جلّ ثناؤه أهل الكتاب إلى المشركين في قوله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } لأن أماني الفريقين من تمنية الشيطان إياهم التي وعدهم أن يمنيهموها بقوله : { وَلأُضِلّنّهُمْ وَلأُمَنّيَنّهُمْ ولاَمُرْنّهُمْ } .

القول في تأويل قوله تعالى : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عنى بالسوء كلّ معصية لله ، وقالوا : معنى الاَية : من يرتكب صغيرة أو كبيرة من مؤمن أو كافر من معاصي الله ، يجازه الله بها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن زياد بن الربيع سأل أبيّ بن كعب عن هذه الاَية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } فقال : ما كنت أراك إلا أفقه مما أرى ! النكبة والعود والخدش .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا غندر ، عن هشام الدستوائي ، قال : حدثنا قتادة ، عن الربيع بن زياد ، قال : قلت لأبيّ بن كعب ، قول الله تبارك وتعالى : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } والله إن كان كل ما عملنا جزينا به هلكنا ! قال : والله إن كنت لأراك أفقه مما أرى ! لا يصيب رجلاً خدش ولا عثرة إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، حتى اللدغة والنفحة .

حدثنا القاسم بن بشر بن معرور ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن حجاج الصوّاف ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، قال : دخلت على عائشة كي أسألها عن هذه الاَية : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قالت : ذاك ما يصيبكم في الدنيا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني خالد أنه سمع مجاهدا يقول في قوله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : يجز به في الدنيا ، قال : قلت : وما تبلغ المصيبات ؟ قال : ما تكره .

وقال آخرون : معنى ذلك : من يعمل سوءا من أهل الكفر يجز به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : الكافر . ثم قرأ : { وَهَلْ نُجازي إلاّ الكَفُورُ } قال : من الكفار .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل ، عن حميد ، عن الحسن ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو همام الأهوازيّ ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أنه كان يقول : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } و{ وهَلْ نُجازي إلاّ الكَفُورُ } يعني بذلك : الكفار ، لا يعني بذلك أهل الصلاة .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن ، في قوله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : والله ما جازى الله عبدا بالخير والشرّ إلا عذّبه ، قال : { لِيَجْزِيَ الّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيجْزِيَ الّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنَى } قال : أما والله لقد كانت لهم ذنوب ، ولكنه غفرها لهم ، ولم يجازهم بها ، إن الله لا يجازي عبده المؤمن بذنب ، إذًا توبقه ذنوبه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك ، يعني المشركين .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن الحسن : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : إنما ذلك لمن أراد الله هوانه¹ فأما من أراد كرامته فإنه من أهل الجنة { وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كانوا يُوعَدُونَ } .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } يعني بذلك : اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب ، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا .

وقال آخرون : معنى السوء في هذا الموضع : الشرك . قالوا : وتأويل قوله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } : من يشرك بالله يجز بشركه ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } يقول : من يشرك يجز به ، وهو السوء ، { ولا يَجِدْ له مِنْ دُونِ الله وَلِيّا ولا نَصِيرا } إلا أن يتوب قبل موته ، فيتوب الله عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : الشرك .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها بتأويل الاَية ، التأويل الذي ذكرناه عن أبيّ بن كعب وعائشة ، وهو أن كل من عمل سوءا صغيرا أو كبيرا من مؤمن أو كافر ، جوزي به . وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الاَية ، لعموم الاَية كل عامل سوء ، من غير أن يخص أو يستثنى منهم أحد ، فهي على عمومها إذ لم يكن في الاَية دلالة على خصوصها ولا قامت حجة بذلك من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

فإن قال قائل : وأين ذلك من قول الله : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ } وكيف يجوز أن يجازي على ما قد وعد تكفيره ؟ قيل : إنه لم يعد بقوله : { نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ } ترك المجازاة عليها ، وإنما وَعَد التكفير بترك الفضيحة منه لأهلها في معادهم ، كما فضح أهل الشرك والنفاق . فأما إذا جازاهم في الدنيا عليها بالمصائب ليكفرها عنهم بها ليوافوه ولا ذنب لهم ، يستحقون المجازاة عليه ، فإنما وفي لهم بما وعدهم بقوله : { نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ } وأنجز لهم ما ضمن لهم بقوله : { والّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنْدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ } .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الأخبار الواردة بذلك :

حدثنا أبو كريب ، وسفيان بن وكيع ونصر بن عليّ وعبد الله بن أبي زياد القَطَواني ، قالوا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن محيصن ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، عن أبي هريرة ، قال : لما نزلت هذه الاَية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شقّت على المسلمين ، وبلغت منهم ما شاء الله أن تبلغ ، فشكَوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «قَاربوا وسَدّدُوا ، ففي كل ما يُصَابُ به المسلم كَفّارَةٌ ، حتّى النّكْبَة يُنْكَبُها ، أو الشوكة يُشَاكّها » .

حدثني عبد الله بن أبي زياد وأحمد بن منصور الرمادي ، قالا : حدثنا يزيد بن حيان ، قالا : حدثنا عبد الملك بن الحسن الحارثي ، قال : حدثنا محمد بن زيد بن قنفذ ، عن عائشة ، عن أبي بكر ، قال : لما نزلت : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : يا رسول الله ، كلّ ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال : «يا أبا بَكْرٍ ألَيْس يُصِيبُك كَذَا وكَذَا ؟ فَهُوَ كَفّارتُهُ » .

حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهريّ ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن زياد الجصاص ، عن عليّ بن زيد ، عن مجاهد ، قال : ثني عبد الله بن عمر ، أنه سمع أبا بكر يقول : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول «مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ في الدّنْيا » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، عن أبي بكر الصديق أنه قال : يا نبيّ الله كيف الصلاح بعد هذه الاَية ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أيّةُ آيَةٍ ؟ » قال : يقول الله : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } فما عملناه جزينا به ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «غَفَر اللّهُ لكَ يا أبا بَكْرٍ ! ألَسْتَ تَمْرَضُ ، ألَسْتَ تَحْزَنُ ، ألَسْتَ تُصِيبُكَ الّلأْوَاءُ ؟ » قال : «فَهُوَ ما تُجْزَوْنَ بهِ » .

حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : أظنه عن أبي بكر الثقفي ، عن أبي بكر قال : لما نزلت هذه الاَية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : كيف الصلاح ؟ ثم ذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه «ألَسْتَ تُنْكَبُ ؟ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، أن أبا بكر قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : كيف الصلاح ؟ فذكر نحوه .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو الجنبيّ ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بكر ابن أبي زهير الثقفي ، قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فكلّ سوء عملناه جزينا به ؟ وقال أيضا : «ألَسْتَ تَمْرَضُ ، ألَست تنصَب ، ألَسْتَ تَحْزَنُ ، ألَيْسَ تُصِيبُكَ الّلأْوَاءُ ؟ » قال : بلى . قال : «هُوَ ما تُجْزَوْنَ بهِ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، قال : لما نزلت هذه الاَية : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، وإنا لنجزى بكلّ شيء نعمله ؟ قال : «يا أبا بَكْرٍ ألَسْتَ تَنْصَبُ ، ألَسْتَ تَحْزَنُ ، ألَسْتَ تُصِيبُكَ الّلأْوَاءُ ؟ فَهَذَا مِمّا تُجْزَوْنَ بِهِ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا ابن أبي خالد ، قال : ثني أبو بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبي بكر ، فذكر مثل ذلك .

حدثنا أبو السائب وسفيان بن وكيع ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أشدّ هذه الاَية : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } ! قال : «يا أبا بَكْرٍ إنّ المُصِيبَةَ فِي الدّنْيا جَزَاءُ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا أبو عامر الخراز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قلت : إني لأعلم أيّ آية في كتاب الله أشدّ ! فقال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أيّ آية ؟ » فقلت : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : «إنّ المؤمِنَ ليُجَازَى بأَسْوَإ عَمَلِهِ في الدّنْيا » ، ثم ذكر أشياء منهنّ المرض والنصب ، فكان آخره أن ذكر النكبة ، فقال : «كُلّ ذِي عمل يُجْزَى بِعَمَلِهِ يا عائِشَةُ ، إنّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ القِيامَةِ إلاّ يُعَذّبُ » . فقلت : أليس يقول الله : { فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا } ؟ فقالَ : «ذَاكِ عِنْدَ العَرْض ، إنّهُ مِنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذّبَ » ، وقال بيده على إصبعه كأنه ينكت .

حدثني القاسم بن بشر بن معرور ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن أمية ، قالت : سألت عائشة عن هذه الاَية : { وَإنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوه يُحاسِبْكُمْ بِهِ الله ، و{ لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «يا عائِشَةُ ذَاكِ مَثابَةُ اللّهِ العَبْدَ بمَا يُصِيبُهُ مِنَ الحُمّى والكِبَرِ ، وَالبِضَاعَةِ يَضَعُها فِي كُمّه فَيَفْقِدُها ، فَيَفْزَعُ لَهَا فَيَجِدُها فِي كُمّهِ ، حتى إنّ المُؤمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كمَا يَخْرُجُ التّبْرُ الأْحمَرُ مِنَ الكِيرِ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو عامر الخراز ، قال : حدثنا ابن أبي مليكة عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إني لأعلم أشدّ آية في القرآن ، فقال : «ما هِيَ يا عائشة ؟ » قلت : هي هذه الاَية يا رسول الله : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } فقال : «هُوَ ما يُصِيبُ العَبْدَ المُؤْمِنَ ، حتى النّكْبَةَ يُنْكَبُها » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الربيع بن صبح ، عن عطاء ، قال : لما نزلت { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أشدّ هذه الاَية ! قال : «يا أبا بَكْرٍ أنّكَ تَمْرَضُ ، وَإنّكَ تَحْزَنُ ، وَإنّكَ يُصِيبُكَ أذًى ، فَذَاكَ بذَاكَ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح ، قال : لما نزلت ، قال أبو بكر : جاءت قاصمة الظهر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّمَا هِيَ المُصِيباتُ فِي الدّنْيا » .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيّا وَلا نَصَيرا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { وَلا يَجِدِ } الذي يعمل سوءا من معاصي الله وخلاف ما أمره به ، { مِنْ دُونِ اللّهِ } يعني : من بعد الله وسواه ، { وَلِيّا } يلي أمره ، ويحمي عنه ما ينزل به من عقوبة الله ، { وَلا نَصِيرا } يعني : ولا ناصرا ينصره مما يحلّ به من عقوبة الله وأليم نكاله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

{ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } أي ليس ما وعد الله من الثواب ينال بأمانيكم أيها المسلمون ، ولا بأماني أهل الكتاب ، وإنما ينال بالإيمان والعمل الصالح . وقيل ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل . روي أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا . فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولي بالله منكم ، وقال المسلمون : نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة ) فنزلت . وقيل : الخطاب مع المشركين ويدل عليه تقدم ذكرهم أي : ليس الأمر بأماني المشركين ، وهو قولهم لا جنة ولا نار ، وقولهم إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا ، ولا أماني أهل الكتاب وهو قولهم : { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } وقولهم : { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } ثم قرر ذلك وقال : { من يعمل سوءا يجز به } عاجلا أو آجلا لما روي ( أنها لما نزلت قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : فمن ينجو مع هذا يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام : " أما تحزن أما تمرض أما يصيبك الأراء ؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : هو ذاك ) . { ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا } ولا يجد لنفسه إذا جاوز موالاة الله ونصرته من يواليه وينصره في دفع العذاب عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

اسم { ليس } مضمر{[4293]} ، و «الأماني » : جمع أمنوية ، وزنها أفعولة ، وهي : ما يتمناه المرء ويطيع نفسه فيه ، وتجمع على أفاعيل ، فتجتمع ياءان فلذلك تدغم إحداهما في الأخرى فتجيء مشددة وهي قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج ، «ليس بأمانيكم » ساكنة الياء ، وكذلك في الثانية{[4294]} ، قال الفراء : هذا جمع على فعاليل ، كما يقال قراقير وقراقر إلى غير ذلك . واختلف الناس فيمن المخاطب بهذه الآية ؟ فقال ابن عباس والضحاك وأبو صالح ومسروق وقتادة والسدي وغيرهم : الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : وسبب الآية أن المؤمنين اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : ديننا أقدم من دينكم وأفضل ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن أفضل منكم ، وقال المؤمنون : كتابنا يقضي على الكتب ، ونبينا خاتم النبيين ، أو نحو هذا من المحاورة ، فنزلت الآية ، وقال مجاهد وابن زيد : بل الخطاب لكفار قريش ، وذلك أنهم قالوا : لن نبعث ولا نعذب ، وإنما هي حياتنا الدنيا لنا فيها النعيم ثم لا عذاب ، وقالت اليهود { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، إلى نحو هذا من الأقوال ، كقولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى }{[4295]} ، وغيره ، فرد الله تعالى على الفريقين بقوله { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } ثم ابتدأ الخبر الصادق من قبله بقوله { من يعمل سوءاً يجز به } وجاء هذا اللفظ عاماً في كل سوء فاندرج تحت عمومه الفريقان المذكوران ، واختلف المتأولون في تعميم لفظ هذا الخبر ، فقال الحسن بن أبي الحسن : هذه الآية في الكافر ، وقرأ { وهل يجازى إلا الكفور }{[4296]} قال : والآية يعني بها الكفار ، ولا يعني بها أهل الصلاة ، وقال : والله ما جازى الله أحداً بالخير والشر إلا عذبه ، ولكنه يغفر ذنوب المؤمنين ، وقال ابن زيد : في قوله تعالى { من يعمل سوءاً يجز به } وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك يعني المشركين ، وقال الضحاكَ { ومن يعمل سوءاً يجز به } يعني بذلك اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق : فهذا تخصيص للفظ الآية ، ورأى هؤلاء أن الكافر يجزى على كل سوء يعمله وأن المؤمن قد وعده الله تكفير سيئاته ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : قوله تعالى : { من يعمل سوءاً } معناه ، من يك مشركاً والسوء هنا الشرك فهو تخصيص لعموم اللفظ من جهة أخرى ، لأن أولئك خصصوا لفظ { من } ، وهذان خصصا لفظ ( السوء ) وقال جمهور الناس : لفظ الآية عام ، والكافر والمؤمن مجازى بالسوء يعمله ، فأما مجازاة الكافر فالنار ، لأن كفره أوبقه ، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لما نزلت { من يعمل سوءاً يجز به } قلت يا رسول الله ما أشد هذه الآية ، فقال : يا أبا بكر أما تحزن أما تمرض أما تصيبك اللأواء ؟ فهذا بذلك{[4297]} ، وقال عطاء بن أبي رباح : لما نزلت هذه الآية ، قال أبو بكر : جاءت قاصمة الظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هي المصيبات في الدنيا ){[4298]} ، وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي الله عنها{[4299]} ، وقال أبيّ بن كعب ، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها ، فقال له أبيّ : ما كنت أظنك إلا أفقه مما رأى ، ما يصيب الرجل خدش ولا غيره إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر .

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : فالعقيدة في هذا : أن الكافر مجازى والمؤمن يجازى في الدنيا غالباً ، فمن بقي له سوء إلى الآخرة فهو في المشيئة ، يغفر الله لمن يشاء ، ويجازي من يشاء ، وقرأ الجمهور «ولا يجدْ » بالحزم عطفاً على { يجز } ، وروى ابن بكار عن ابن عامر : «ولا يجدُ » بالرفع على القطع ، وقوله { من دون } لفظة تقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة ، ويفسرها بعض المفسرين بغير ، وهو تفسير لا يطرد .


[4293]:- على معنى: ليس الثواب على الحسنات، ولا العقاب على السيئات بأمانيكم، لأن الاستحقاق إنما يكون بالعمل لا بالأماني. قاله في"البحر المحيط".
[4294]:- يعني بها قوله تعالى: {ولا أماني أهل الكتاب}.
[4295]:- من الآية (111) من سورة (البقرة).
[4296]:- من قوله تعالى في الآية (17) من سورة (سبأ): {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}؟
[4297]:- أخرج أحمد، وهناد، وعبد بن حميد، والحكيم، والترمذي، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن حبان، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء في المختارة، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءا يجز به}؟ فكل سوء جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (غفر الله لك يا أبا بكر. ألست تنصب؟ ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟) قال: بلى، قال: (فهو ما تجزون به)- (الدر المنثور 2/ 226). واللأواء: الشدة والمحنة.
[4298]:- أخرجه ابن جرير عن عطاء بن رباح.
[4299]:- أخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو يعلى، وابن جرير، والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا تلا هذه الآية: {من يعمل سوءا يجز به} فقال: إنا لنجزى بكل ما عملناه؟ هلكنا إذا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (نعم. يُجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه). (الدر المنثور).