وبعد أن بين - سبحانه - عقوبة الذين يحاربون الله ورسوله ، ودعا المؤمنين إلى التقرب إليه بالعمل الصالح وبين سوء عاقبة الكافرين . بعد أن بين كل ذلك أعقبه ببيان عقوبة السرقة فقال - تعالى :
{ والسارق والسارقة فاقطعوا . . . }
قال الجمل ما ملخصه : قوله - تعالى - { والسارق والسارقة } . . إلخ . شروع في بيان حكم السرقة الصغرى بعد بيان أحكام الكبرى .
وقرأ الجمهور : والسارق بالرفع وفيها وجهان :
أحدهما : وهو مذهب سيبويه والمشهور من أقوال البصرين - أن السارق مبتدأ محذوف الخبر . والتقدير : فيما يتلى عليكم أو فيما فرض عليكم السارق والسارقة . أي : حكم السارق ، ويكون قوله { فاقطعوا } بيانا لذلك الحكم المقدر . فما بعد الفاء مرتبط بما قبلها ، ولذلك أتى بها فيه لأنه هو المقصود . ولو لم يؤت بالفاء لتوهم أنه أجنبي ، والكلام على هذا جملتان : الأولى خبرية والثانية أمرية .
والثاني : وهو مذهب الأخفش وجماعة كثيرة - أنه مبتدأ - أيضاً - والخبر الجملة الأمرية من قوله { فاقطعوا } وإنما دخلت الفاء في الخبر ، لأنه يشبه الشرط إذ الألف واللام فيه موصولة بمعنى الذي والتي والصفة صلتها ، فهي في قوة قولك والذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا .
والمعنى : ( السارق ) أي : من الرجال ( السارقة ) أي : من النساء ( فاقطعوا ) أيديهما ، أي فاقطعوا يد كل منهما الذكر إذا سرق قطعت يده . والأنثى إذا سرقت قطعت يدها .
والخطاب في قوله : ( فاقطعوا ) لولاة الأمر الذين إليهم يرجع تنفيذ الحدود وجمع - سبحانه - اليد فقال " أيديهما " ولم يقل يديهما بالتثنية ، لأن فصحاء العرب يستثقلون إضافة المثنى إلى ضمير التثنية .
وقوله { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله } بيان لسبب هذه العقوبة وللحكمة التي من أجلها شرعت . أي : اقطعوا أيديهما جزاء لهما بسبب فعلهما الخبيث ، وكسبهما السيء ، وخيانتهما القبيحة ، ولكي يكون هذا القطع لأيديهما ( نكالا ) أي : عبرة وزجرا من الله - تعالى - لغيرهما حتى يكف الناس عن ارتكاب هذه الجريمة .
يقال : نكل فلان بفلان تنكيلا : أي : صنع به صنيعا يحذر غيره .
والاسم النكال وهو ما نكلت به غيرك . وأصله من النكل - بالكسر - وهو القيد الشديد ، وحديدة اللجام ، لكونهما مانعين وجمعه انكال .
وسميت هذه العقوبة نكالا ، لأنها تجعل غير من نزلت به يخاف من ارتكابها حتى لا ينزل به ما نزل بمرتكبها من قطع ليده ، وفضيحة لأمره .
وقوله : { والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : والله - تعالى - غالب على أمره ، حكيم في شرائعه وتكاليفه .
قال صاحب المنار ما ملخصه . وقد كانت العرب بدوها وحضرها تفهم الكثير من وضع اسماء الله - تعالى - في الآيات بحسب المناسبة .
ومن ذلك ما نقل الأصمعي أنه قال : كنت أقرأ سورة المائدة ، ومعي أعرابي ، فقرأت هذه الآية فقلت { الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } سهوا فقال الأعرابي كلام من هذا ؟ فقلت : كلام الله . قال : أعد فأعدت { الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ثم تنبهت فقلت : { والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فقال : الآن أصبت فقلت له .
كيف عرفت ؟ يا هذا { عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فأمر بالقطع ، فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع فقد فهم الأعرابي الأمي أن مقتضى العزة والحكمة ، غير مقتضى المغفرة والرحمة وأن الله - تعالى - يضع كل اسم موضعه من كتابه .
{ وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوَاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . .
يقول جلّ ثناؤه : ومن سرق من رجل أو امرأة ، فاقطعوا أيها الناس يده . ولذلك رفع السارق والسارقة ، لأنهما غير معينين ، ولو أريد بذلك سارق وسارقة بأعيانهما لكان وجه الكلام النصب . وقد رُوي عن عبد لله بن مسعود أنه كان يقرأ ذلك : «والسارقو ن والسارقات » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، قال : في قراءتنا قال : وربما قال في قراءة عبد الله : «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم : في قراءتنا : «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما » .
وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا من معناه ، وصحة الرفع فيه ، وأن السارق والسارقة مرفوعان بفعلهما على ما وصفت للعلل التي وصفت . وقال تعالى ذكره : فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما والمعنى أيديهما اليمنى كما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما : اليمنى .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر ، قال : في قراءة عبد الله : «والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما » .
ثم اختلفوا في السارق الذي عناه الله ، فقال بعضهم : عني بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعدا وذلك قول جماعة من أهل المدينة ، منهم مالك بن أنس ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم » .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : سارق ربع دينار أو قيمته . وممن قال ذلك الأوزاعي ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك بالخبر الذي رُوي عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «القَطْعُ في رُبْعِ دينارٍ فَصَاعِدا » .
وقال آخرون : بل عني بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدا . وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه . واحتجوا في ذلك بالخبر الذي رُوي عن عبد الله بن عمر وابن عباس ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «قطع في مجنّ قيمته عشرة دراهم » .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : سارق ربع دينار أو قيمته . وممن قال ذلك الأوزاعي ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك بالخبر الذي رُوي عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «القَطْعُ في رُبْعِ دينارٍ فَصَاعِدا » .
وقال آخرون : بل عني بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدا . وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه . واحتجوا في ذلك بالخبر الذي رُوي عن عبد الله بن عمر وابن عباس ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «قطع في مجنّ قيمته عشرة دراهم » .
وقال آخرون : بل عني بذلك سارق القليل والكثير . واحتجوا في ذلك بأن الاَية على الظاهر ، وأنه ليس لأحد أن يخصّ منها شيئا إلاّ بحجة يجب التسليم لها . وقالوا : لم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بأن ذلك في خاصّ من السّرّاق . قالوا : والأخبار فيما قَطَع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربة مختلفة ، ولم يرو عنه أحد أنه أُتِي بسارق درهم فخلّى عنه ، وإنما رووا عنه أنه قطع في مجنّ قيمته ثلاثة دراهم . قالوا : وممكن أن يكون لو أتى بسارق ما قيمته دانق أن يقطع . قالوا : وقد قطع ابن الزبير في درهم . ورُوي عن ابن عباس أنه قال : الاَية على العموم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، عن نجدة الحنفي ، قال : سألت ابن عباس عن قوله : وَالسّارِقُ والسّارِقَةُ أخاصّ أم عامّ ؟ فقال : بل عامّ .
والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال : الاَية معنيّ بها خاصّ من السراق ، وهو سراق ربع دينار فصاعدا أو قيمته ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «القَطْعُ في رُبعِ دِينَارٍ فصَاعِدا » . وقد استقصيت ذكر أقوال المختلفين في ذلك مع عللهم التي اعتلوا بها لأقوالهم ، والتلميح عن أوْلاها بالصواب بشواهده في كتابنا كتاب السرقة ، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك في هذا الموضع . وقوله : جَزَاءً بِمَا كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ يقول : مكافأة لهما على سرقتهما وعملهما في التلصص بمعصية الله . نَكَالاً مِنَ الله يقول : عقوبة من الله على لصوصيتهما . وكان قتادة يقول في ذلك ما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيدِيَهُما جَزَاءً بِمَا كَسَبا نِكالاٍ مِنَ اللّهِ وَالله عَزَيزٌ حَكيمٌ : لا تَرْثُوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود ، فإنه والله ما أمر الله بأمر قطّ إلاّ وهو صلاح ، ولا نهى عن أمر قطّ إلاّ وهو فساد .
وكان عمر بن الخطاب يقول : اشتدّوا على السّراق فاقطعوهم يدا يدا ورِجلاً رجلاً . وقوله : وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ يقول جلّ ثناؤه : والله عزيز في انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل معاصيه ، حكيم في حكمه فيهم وقضائه عليهم . يقول : فلا تفرطوا إيها المؤمنون في إقامة حكمي على السارق وغيرهم من أهل الجرئم الذين أوجبت عليهم حدودا في الدنيا عقوبة لهم ، فإني بحكمي قضيت ذلك عليهم ، وعلمي بصلاح ذلك لهم ولكم .
جملة معطوفة على جملة { إنّما جزاء الّذين يحاربون } [ المائدة : 33 ] . { والسارق } مبتدأ والخبر محذوف عند سيبويه . والتّقدير : ممّا يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما . وقال المبرّد : الخبر هو جملة { فاقطعوا أيديهما } ، ودخلت الفاء في الخبر لتضمّن المبتدأ معنى الشرط ؛ لأنّ تقديره : والّذي سرق والّتي سرقت . والمصول إذا أريد منه التّعميم ينزّل منزلة الشرط أي يجعل ( أَلْ ) فيها اسم موصول فيكون كقوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم } [ النساء : 15 ] ، قوله : { واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما } [ النساء : 16 ] . 6 قال سيبويه : وهذا إذا كان في الكلام ما يدلّ على أنّ المبتدأ ذكر في معرض القصص أو الحُكم أو الفرائض نحو { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا } { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما } { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } إذ التّقدير في جميع ذلك : وحكم اللاتي يأتين ، أو وجَزاء السارق والسّارقة .
ولقد ذكرها ابن الحاجب في « الكافية » واختصرها بقوله : « والفاء للشرط عند المبرّد وجملتان عند سيبويه ، يعني : وأمّا عند المبرّد فهي جملة شرط وجوابه فكأنّها جملة واحدة وإلاّ فالمختار النصب » . أشار إلى قراءة عيسى بن عمر { والسارقَ والسارقَة } بالنصب ، وهي قراءة شاذّة لا يعتدّ بها فلا يخرّج القرآن عليها . وقد غلط ابن الحاجب في قوله : فالمختار النصب .
وقوله : { فاقطعوا أيديهما } ضمير الخطاب لِوُلاة الأمور بقرينة المقام ، كقوله : { الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] . وليس الضّمير عائداً على الّذين آمنوا في قوله { يأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله } [ النساء : 35 ] . وجُمع الأيدي باعتبار أفراد نوع السارق . وثنيّ الضمير باعتبار الصنفين الذكر والأنثى ؛ فالجمع هنا مراد منه التّثنية كقوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } [ التحريم : 4 ] .
ووجه ذكر السارقة مع السارق دفعُ توهّم أن يكون صيغة التذكير في السارق قيداً بحيث لا يجري حدّ السرقة إلاّ على الرجال ، وقد كانت العرب لا يقيمون للمرأة وزناً فلا يجرون عليها الحدود ، وهو الدّاعي إلى ذكر الأنثى في قوله تعالى في سورة البقرة : ( 178 ) { الحُرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وقد سرقت المخزوميّة في زمن رسول الله فأمر بقطع يدها وعظم ذلك على قريش ، فقالوا : من يشفع لها عند رسول الله إلاّ زيد بن حارثة ، فلمّا شفع لها أنكر عليه وقال : أتشفع في حدّ من حدود الله ، وخطب فقال : إنّما أهلك الّذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه وإذا سرق الضّعيف قطعوه ، والله لو أنّ فاطمة سرقت لقطعت يدها .
وفي تحقيق معنى السرقة ونصاب المقدار المسروق الموجب للحدّ وكيفية القطع مجال لأهل الاجتهاد من علماء السلف وأيّمة المذاهب وليس من غرض المفسّر . وليس من عادة القرآن تحديد المعاني الشّرعية وتفاصيلها ولكنّه يؤصّل تأوصيلها ويحيل ما وراء ذلك إلى متعارف أهل اللّسان من معرفة حقائقها وتمييزها عمّا يشابهها .
فالسارق : المتّصف بالسرقة . والسرقة معروفة عند العرب مميّزة عن الغارة والغصْب والاغتصاب والخلسة ، والمؤاخذة بها ترجع إلى اعتبار الشيء المسروق ممّا يشِحّ به معظم النّاس .
فالسرقة : أخذ أحد شيئاً ما يملكه خُفية عن مالكه مخُرجاً إيّاه من موضعِ هو حرِزُ مثلِه لم يؤذن آخِذُه بالدخول إليه .
والمسروق : مَا لهُ منفعة لا يتسامح النّاس في إضاعته . وقد أخذ العلماء تحديده بالرجوع إلى قيمة أقلّ شيء حكم النّبيء بقطع يد من سَرَقَه . وقد ثبت في الصّحيح أنّه حكم بقطع يد سارق حَجَفَة بحاء مهملة فجيم مفتوحتين ( ترس بن جلد ) تساوي ربع دينار في قول الجمهور ، وتساوي ديناراً في قول أبي حنيفة ، والثوري ، وابنِ عبّاس ، وتساوي نصفَ دينار في قول بعض الفقهاء .
ولم يذكر القرآن في عقوبة السارق سوى قطع اليد . وقد كان قطع يد السارق حكماً من عهد الجاهليّة ، قضى به الوليدُ بن المغيرة فأقرّه الإسلام كما في الآية . ولم يرد في السنّة خبر صحيح إلاّ بقطع اليد . وأوّل رَجُل قطعت يده في الإسلام الخيارُ بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، وأوّل امرأة قطعت يَدها المخزوميةُ مُرّةُ بنتُ سفيان .
فاتّفق الفقهاء على أنّ أوّل ما يبدأ به في عقوبة السارق أن تقطع يده . فقال الجمهور : اليد اليمنى ، وقال فريق : اليد اليسرى ، فإن سرق ثانية ، فقال جمهور الأيمّة : تقطع رجله المخالفة ليده المقطوعة . وقال عليّ بن أبي طالب : لا يقطع ولكن يحبس ويضرب . وقضى بذلك عمر بن الخطّاب ، وهو قول أبي حنيفة . فقال عليّ : إنّي لأستحيي أن أقطع يده الأخرى فبأي شيء يأكُل وَيَسْتَنْجِي أو رِجْلَه فعلى أي شيء يعتمد ؛ فإن سرق الثّالثة والرّابعة فقال مالك والشّافعي : تقطع يده الأخرى ورجلُه الأخرى ، وقال الزهري : لم يبلغنا في السنّة إلاّ قطع اليد والرّجل لا يزاد على ذلك ، وبه قال أحمد بن حنبل ، والثّوري ، وحمَّاد بن سلمة . ويجب القضاء بقول أبي حنيفة ، فإنّ الحدود تُدرأ بالشبهات وأيّ شبهة أعظم من اختلاف أيمّة الفقه المعتبرين .
والجزاء : المكافأة على العمل بما يناسب ذلك العملَ من خير أو شرّ ، قال تعالى : { إنّ للمتّقين مفازاً } إلى قوله { جزاءً من ربّك عطاءً حسابا } في سورة النبأ ( 31 36 ) ، وقال تعالى : { وجزاء سيئة مثلها } في سورة الشورى ( 40 ) .
والنكال : العقاب الشّديد الّذي من شأنه أن يصدّ المعاقب عن العود إلى مثل عمله الّذي عوقب عليه ، وهو مشتقّ من النكول عن الشيء ، أي النكوص عنه والخوف منه . فالنكال ضرب من جزاء السّوء ، وهو أشدّه ، وتقدّم عند قوله تعالى : { فجعلناها نكالاً } الآية في سورة البقرة ( 66 ) .
وانتصب { جزاء } على الحال أو المفعول لأجله ، وانتصب { نكالاً } على البدل من { جزاء } بدل اشتمال .
فحكمة مشروعيّة القطع الجزاء على السرقة جزاء يقصد منه الردع وعدم العود ، أي جزاء ليس بانتقام ولكنّه استصلاح .
وضَلّ من حسب القطع تعويضاً عن المسروق ، فقال من بيتين ينسبان إلى المعرّي ( وليسا في « السقط » ولا في « اللّزوميات » ) :
يد بخمسِ مِئينَ عسجَدا وُديتْ *** ما بالها قُطعت في رُبع دينار
ونسب جوابه لعلم الدّين السَّخَاوي :
عِزّ الأمَانة أغلاهَا ؛ وأرخصها *** ذُلّ الخيانة فافهَمْ حكمة الباري