المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

16- قل لهم - يا أيها الرسول - : لو شاء الله ألا ينزل علىَّ قرآناً من عنده ، وألا أبلغكم به ما أنزله ، وما تلوته عليكم ، ولا أعلمكم الله به . لكنه نزل ، وأرسلني به ، وتلوته عليكم كما أمرني ، وقد مكثت بينكم زمناً طويلا قبل البعث لم أدّع فيه الرسالة ، ولم أتل عليكم شيئاً ، وأنتم تشهدون لي بالصدق والأمانة ، ولكن جاء الوحي به فأمرت بتلاوته ، ألا فاعقلوا الأمور وأدركوها ، واربطوا بين الماضي والحاضر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

ثم لقن الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - ردا آخر عليهم ، زيادة في تسفيه أفكارهم فقال - تعالى - : { قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } وقوله : { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } بمعنى ولا أعلمكم وأخبركم به ، أى : بهذا القرآن . يقال : دريت الشيء وأدراني الله به ، أي أعلمني وأخبرني به .

وأدري فعل ماض ، وفاعله مستتر يعود على الله - عز وجل - والكاف مفعول به .

والمعنى : قل لهم - أيضا - أيها الرسول الكريم - لو شاء الله - تعالى - أن لا أتلو عليكم هذا القرآن لفعل ، ولو شاء أن يجعلكم لا تدرون منه شيئا ، لفعل - أيضا - ، فإن مرد الأمور كلها إليه ، ولكنه - سبحانه - شاء وأراد أن أتلوه عليكم ، وأن يعلمكم به بواسطتي ، فأنا رسول مبلغ ما أمرني الله بتبليغه .

قال القرطبي : " وقرأ ابن كثير : { أَدْرَاكُمْ بِهِ } بغير ألف بين اللام والهمزة .

والمعنى : لو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم فهي لام التأكيد دخلت على ألف أفعل .

وجاءت الآية الكريمة بدون عطف على ما قبلها ، إظهارا لكمال شأن المأمور به ، وإيذاناً باستقلاله ، فإن ما سبق كان للرد على اقتراحهم تبديل القرآن . وهذه الآية للرد على اقتراحهم الإِتيان بغيره .

ومفعول المشيئة محذوف . لأن جزاء الشرط ينبئ عنه ، أى : لو شاء الله عدم تلاوته ما تلوته عليكم :

وقوله : { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ } تعليل للملازمة المستلزمة لكون عدم التلاوة وعدم العلم منوط بمشيئة الله - تعالى - وقوله : { عُمُراً } منصوب على الظرفية وهو كناية عن المدة الطويلة . أى : فأنتم تعلمون أني قد مكثت فيما بينكم ، مدة طويلة من الزمان ، قبل أن أبلغكم هذا القرآن ، حفظتم خلالها أحوالي ، وأحطتم خبرا بأقوالي وأفعالي ، وعرفتم أني لم أقرأ عليكم من آية أو سورة مما يشهد أن هذا القرآن إنما هو من عند الله - تعالى - .

والهمزة في قوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } داخلة على محذوف . وهى للاستفهام التوبيخي .

والتقدير : أجهلتم هذا الأمر الجلي الواضح ، فصرتم لا تعقلون أن أمثال هذه الاقتراحات المتعنتة التي اقترحتموها لا يملك تنفيذها أحد إلا الله - تعالى - .

قال الإِمام الرازي ما ملخصه : " أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما جاء في هذه الآية وتقريره : أو أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول عمره إلى ذلك الوقت ، وكانوا عالمين بأحواله .

وأنه ما طالع كتابا ولا تتلمذ على أستاذ ولا تعلم من أحد ، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه ، جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول ودقائق علم الأحكام ، ولطائف علم الأخلاق ، وأسرار قص الأولين ، وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء ، وكل من له عقل سليم فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والإِلهام من الله - تعالى - .