فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

ثم أكد سبحانه كون هذا القرآن من عند الله وإنه صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه لا يقدر على غير ذلك فقال { قل لو شاء الله } أي إن هذا القرآن المتلو عليكم هو بمشيئة الله وإرادته ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ولا أبلغكم إياه ، { ما تلوته عليكم } فالأمر كله منوط بمشيئة الله ليس لي في ذلك شيء ، { ولا أدراكم به } أي ولو شاء الله ما أداركم بالقرآن أي ما أعلمكم به على لساني يقال دريت الشيء وأدراني الله به . هكذا قرأ الجمهور بالألف من أدراه يدريه ، أعلمه يعلمه وقرأ ابن كثير : ولأدراكم به بغير ألف بين اللام والهمزة والمعنى لأعلمكم به على لسان غيري من غير أن أتلوه عليكم ، فيكون اللام لام تأكيد دخلت على ألف أفعل .

وقد قرئ أدراكم بالهمزة فقيل هي منقلبة عن الألف لكونهما من واد واحد ، ويحتمل أن يكون من درأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته داريا ، والمعنى لا أجعلكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال وتكذبونني وقرا ابن عباس والحسن ولا أدرأتكم به قال أبو حاتم :أصله ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفا قال النحاس : وهذا غلط والرواية عن الحسن ولا أدرأتكم به بالهمزة .

{ فقد لبثت فيكم عمرا من قبله } تعليل لكون ذلك بمشيئة الله ولم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ أي أقمت فيما بينكم زمانا طويلا من قبل القرآن وهو أربعون سنة تعرفونني بالصدق والأمانة لست ممن يقرأ ولا ممن يكتب { أفلا تعقلون } الهمزة للتقريع والتوبيخ أي أفلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي لما عرفتم من العادة المستمرة لي المدة الطويلة بالصدق والأمانة وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم ولا طلبي لشيء من هذا الشأن ولا حرصي عليه .

ثم جئتكم بهذا الكتاب الذي عجزتم عن الإتيان بسورة منه وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة المعترف لهم بأنهم البالغون فيها على مبلغ لا يتعلق به غيركم .

أخرج ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة{[928]} . قال النووي : ورد في عمره صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات : إحداها أنه توفي وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون سنة والثالثة ثلاث وستون سنة وهي أصحها وأشهرها رواه مسلم من حديث أنس وعائشة وابن عباس ، واتفق العلماء عليها ، وتأولوا الباقي عليه ، فرواية ستين سنة اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضا بأنها حصل فيها اشتباه .


[928]:البخاري كتاب مناقب الأنصاري باب 45.