فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

{ قُل لَّوْ شَاء الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } أي : أن هذا القرآن المتلوّ عليكم هو بمشيئة الله وإرادته ، ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ولا أبلغكم إياه ما تلوته ، فالأمر كله منوط بمشيئة الله ، ليس لي في ذلك شيء قوله : { وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ } معطوف على ما تلوته ، ولو شاء الله ما أداركم بالقرآن : أي ما أعلمكم به على لساني يقال : دريت الشيء وأدراني الله به . هكذا قرأ الجمهور بالألف من أدراه يدريه أعلمه يعلمه . وقرأ ابن كثير : { ولأدراكم به } بغير ألف بين اللام والهمزة ، والمعنى : ولو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم . فتكون اللام لام التأكيد دخلت على ألف أفعل . وقد قرئ «أدرؤكم » بالهمزة ، فقيل : هي منقلبة عن الألف ، لكونهما من واد واحد ، ويحتمل أن يكون من درأته إذا دفعته ، وأدرأته إذا جعلته دارياً . والمعنى : لأجعلكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال وتكذبونني .

وقرأ ابن عباس ، والحسن { ولا أدراتكم به } قال أبو حاتم : أصله : ولا أدريتكم به ، فأبدل من الياء ألفاً ، قال النحاس : وهذا غلط . والرواية عن الحسن { ولا أدرأتكم } بالهمزة . قوله : { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ } تعليل لكون ذلك بمشيئة الله ، ولم يكن من النبي إلا التبليغ ، أي قد أقمت فيما بينكم عمراً من قبله ، أي زماناً طويلاً . وهو أربعون سنة من قبل القرآن تعرفونني بالصدق والأمانة ، لست ممن يقرأ ولا ممن يكتب { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الهمزة للتقريع والتوبيخ ، أي أفلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي لما عرفتم من العادة المستمرة إلى المدّة الطويلة بالصدق والأمانة . وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم ، ولا طلبي لشيء من هذا الشأن ، ولا حرصي عليه ، ثم جئتكم بهذا الكتاب الذي عجزتم عن الإتيان بسورة منه ، وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة ، المعترف لهم بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم ؟

/خ16