المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (92)

92- ولا تكونوا في الحنث في أيمانكم بعد توكيدها مثل المرأة المجنونة التي تغزل الصوف وتحكم غزله ، ثم تعود فتنقضه وتتركه محلولاً ، متخذين أيمانكم وسيلة للتغرير والخداع لغيركم ، مع أنكم مصرون على الغدر بهم ؛ لأنكم أكثر وأقوى منهم ، أو تنوون الانضمام لأعدائهم الأقوى منهم ، أو لترجون زيادة القوة بالغدر ، وإنما يختبركم اللَّه ، فإن آثرتم الوفاء كان لكم الغنم في الدنيا والآخرة ، وإن اتجهتم إلى الغدر كان الخسران . وليبين لكم يوم القيامة حقيقة ما كنتم عليه ، تختلفون عليه في الدنيا ، ويجازيكم حسب أعمالكم{[118]} .


[118]:هاتان الآيتان تدلان على أن أساس العلاقات بين المسلمين وغيرهم هي العدالة والوفاء بالعهد، وأن العلاقات الدولية لا تنظم إلا بالوفاء بالعهد، وأن الدولة الإسلامية إذا عقدت عهدا فإنما تعقده باسم الله فهو يتضمن يمين الله وكفالته، وتدل الآية على ثلاثة معان لو نفذتها الدولة لساد السلم: أولها: أنه لا يصح أن تكون المعاهدات سبيلا للخديعة وإلا كانت غشا، والغش غير جائز في العلاقات الإنسانية سواء كانت علاقات آحاد أم علاقات جماعات ودول. ثانيها: أن الوفاء بالعهد قوة في ذاته، وأن من ينقض عهده يكون كمن ينقض ما بناه من أسباب القوة، فيكون كالحمقاء التي تفك غزلها بعد تقويته وتوثيقه. ثالثها: أنه لا يصح أن يكون الباعث على نكث العهد الرغبة في القوة أو الزيادة في رقعة الأرض أو نحو ذلك.