غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (92)

84

ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض بقوله :{ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة } ، أي : من بعد قوّة الغزل بإمرارها وفتلها . قال الزجاج : انتصب { أنكاثاً } على المصدر ؛ لأن معنى نقضت : نكثت . وزيف بأن { أنكاثاً } ليس مصدراً ، وإنما هو جمع نكث بكسر النون ، وهو ما ينكث فتله . وقال الواحدي : هو مفعول ثان ، كما تقول كسره أقطاعاً وفرقه أجزاء ، أي : جعله أقطاعاً وأجزاء ، فكذا ههنا ، أي : جعلت غزلها أنكاثاً . قلت : ويحتمل أن يكون حالاً مؤكدة . قال ابن قتيبة : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والتقدير : وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأيمان ، فإنكم إن فعلتم ذلك ، كنتم مثل امرأة غزلت غزلاً وأحكمته ثم جعلته أنكاثاً . فعلى هذا المشبه به امرأة غير معينة ، ولا حاجة في التشبيه إلى أن يكون للمشبه به وجود في الخارج . وقيل : المراد : امرأة معينة من قريش ، ريطة بنت سعد بن تيم وكانت خرقاء ، اتخذت مغزلاً قدر ذراع ، وصنارة مثل أصبع ، -وهي الحديدة في رأس المغزل- وفلكة عظيمة على قدرها ، وكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن .

قال جار الله : { تتخذون } ، حال ، و{ دخلاً } ، مفعول ثان لتتخذ ، أي : لا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلاً بينكم أي مفسدة ودغلاً . وقال الواحدي : أي : غشاً وخيانة . وقال الجوهري : أي : مكراً وخديعة . وقال غيره : الدخل : ما أدخل في الشيء على فساد . وقوله : { أن تكون } ، أي : لأن تكون ، { أمة } ، يعني : جماعة قريش هي أربى : أزيد وأوفر عدداً ومالاً { من أمة } : هي جماعة المؤمنين . قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء ، ثم يجدون من كان أعز منهم وأشرف ، فينقضون حلف الأولين ويحالفون الذين هم أعز وأمنع . { إنما يبلوكم الله به } ، أي : بما يأمركم وينهاكم . وقد تقدم ذكر الأمر والنهي . وقال جار الله : الضمير لقوله : { أن تكون } ؛ لأنه في معنى المصدر ، أي : يختبركم بكونهم أربى ؛ لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء مع قلة المؤمنين وفقرهم ، أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم . ثم حذرهم من مخالفة ملة الإسلام ، وأنذرهم بقوله : { وليبينن لكم يوم القيامة } ، بإظهار الدرجات والكرامات للأولياء ، وتعيين الدركات والبليات للأشقياء . { ما كنتم فيه تختلفون } ، حيث تدعون أنكم على الحق والمؤمنون على الباطل فتنقضون عهودهم .

/خ100