الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (92)

وقوله سبحانه : { وَلاَ تَكُونُوا كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا } [ النحل : 92 ] . شَبَّهت هذه الآيةُ الذي يَحْلِفُ أو يعاهِدُ ويُبْرِمُ عَقْده ، بالمرأة تغزِلُ غزْلها وتفتِله مُحْكماً ، ثم تنقُضُ قُوَى ذلك الغَزْلِ ، فتحلُّه بعد إِبرامه .

و{ أنكاثا } ، نصبٌ على الحالِ ، «والنَّكْث » النقْصُ ، والعربُ تقولُ : انْتَكَثَ الحَبْلُ ، إِذا انتقضَتْ قواه ، و«الدَّخَلُ » ، الدَّغَل بعينه ، وهو الذرائِعُ إِلى الخدْع والغدر ، وذلك أن المحلوُفَ له مطمئنٌّ ، فيتمكنُ الحالفُ مِنْ ضَرَره بما يريدُ .

وقوله سبحانه : { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } ، المعنى : لا تنقضوا الأيمان مِنْ أجْل أنْ تكونَ قبيلةٌ أزَيدَ من قبيلةٍ في العَدَد والعزَّة والقوَّة ، و{ يَبْلُوكُمُ } ، أي : يختبركم ، والضميرُ في : «به » يحتمل أنْ يعود على «الرِّبَا » ، أي : أنَّ اللَّه ابتلى عباده بالربا ، وطَلَبِ بعضهم الظُّهُورَ على بعضٍ ، واختبرهم بذلك ؛ ليرى مَنْ يجاهد بنفسِهِ ، ممَّن يتَّبِعُ هواها ، وباقي الآية وعيدٌ بيوم القيامة .