بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (92)

ثم ضرب الله تعالى مثلاً فقال عز وجل : { وَلاَ تَكُونُواْ } ، في نقض العهد ، { كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا } ، وهي ريطة الحمقاء بنت عمرو بن كعب بن سعد ، وهي أم أخنس بن شريق الزهري . { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنكاثا } ، أي : من بعد ما أبرمته ، وأحكمته ، كانت إذا غزلت الشعر والكتان نقضته ، ثم غزلته . فقال : ولا تنقضوا العهد بعد توكيده ، كما نقضت المرأة غزلها ، وقال القتبي : أي : لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان ، والعهود ، ثم تنقضوا ذلك ، فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت ، ثم نقضت ذلك النسج فجعلته أنكاثاً ، والأنكاث ما نقض من غزل الشعر وغيره ، واحدها نكث .

ثم قال : { تَتَّخِذُونَ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ } ، أي : دغلاً وخيانة ، { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ } ، أي : فريق منكم ، { هِي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } ، أي : هي أكثر وأغنى من أمة ، من فريق . قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في كندة ، ومراد ، وذلك أنه كان بينهم قتال ، حتى كَلَّ الظهر . ثم توادعوا لستة أشهر ، حتى يصلح الظهر ، أي : الدواب ، ويجم الخيل . فلما مضت خمسة أشهر ، أمر قيس بن معد يكرب بالجهاد إليهم ، فقالوا : قد بقي من الأجل شهر ، فمكث حتى علم أنه يأتيهم بعد انقضاء الأجل بيوم ، ثم سار إليهم ، فإذا هو يوم انقضاء الأجل ، فقتلوه ، وهزموا قومه ، فذلك قوله : { وَلاَ تتخذوا أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ السواء بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ الله وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النحل : 94 ] ، يعني : عهودكم بالله دخلاً ، أي : مكراً وخديعة بينكم ، { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } ، يعني : أن تكون أمة أكثر من أمة فينقضون العهد ، لأجل كثرتهم ، فلا تحملنكم الكثرة على نقض العهد . { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ } ، يعني : إنما يبتليكم الله بالكثرة ، لنقض العهد والوفاء . وقال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء ، فإِذا وجدوا أكثر منهم وأعز ، نقضوا ، وحالفوا الأعز ، فنزل : { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ } ، أي : يختبركم بنقض العهود وبالكثرة . { وَلَيُبَيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ، من الدين ، ويبيّن لكم ما نقضتم من العهود ، ويجازيكم به .