النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (92)

قوله عز وجل : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } ، وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن نقض عهده ، وفيه قولان :

أحدها : أنه عنى الحبْل ، فعبر عنه بالغزل ، قاله مجاهد .

الثاني : أنه عنى الغزل حقيقة .

{ من بعد قوة } ، فيه قولان :

أحدهما : من بعد إبرام ، قاله قتادة .

الثاني : أن القوة ما غزل على طاق ولم يثن .

{ أنكاثاً } ، يعني : أنقاضاً ، واحده نكث ، وكل شيء نقض بعد الفتل أنكاثٌ .

وقيل : أن التي نقضت غزلها من بعد قوة امرأة بمكة حمقاء ، قال الفراء : إنها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرّة ، سميت جعدة لحمقها ، كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعدما تبرمه ، فلما كان هذا الفعل لو فعلتموه سفهاً تنكرونه ، كذلك نقض العهد الذي لا تنكرونه .

{ تتخذون أيمانكُمْ دَخَلاً بينكُمْ } ، فيه ستة تأويلات :

أحدها : أن الدخل الغرور .

الثاني : أن الدخل الخديعة .

الثالث : أنه الغل والغش .

الرابع : أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من لزوم الوفاء .

الخامس : أنه الغدر والخيانة ، قاله قتادة .

السادس : أنه الحنث في الأيمان المؤكدة{[1759]} .

{ أن تكون أمة هي أربى من أمة } ، أن تكون أكثر عدداً وأزيد مدداً ، فتطلب بالكثرة أن تغدر بالأقل بأن تستبدل بعهد الأقل عهد الأكثر{[1760]} . وأربى : أفعل الربا ، قال الشاعر :

أسمر خطيّاً كأنّ كعوبه *** نوى القسب أو أربى ذراعاً على عشر


[1759]:سقط من ق.
[1760]:قال المفسرون: نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت أخرى ثم جاءت إحداهما قبيلة كبيرة قد أخلتها، غدرت الأولى ونقضت عهدها ورجعت إلى هذه الكبرى، قاله مجاهد.