تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

{ ويسبح الرعد بحمده } ، يقول : ويذكر الرعد بأمره يحمده ، والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد ، وهو موكل بالسحاب ، صوته تسبيحه ، يزجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض ، ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله تعالى أن تمطر فيها ، ثم قال : { و } تسبح { والملائكة } بزجرته { من خيفته } ، يعنى من مخافة الله تعالى ، فميز بين الملائكة وبين الرعد ، وهما سواء ، كما ميز بين جبريل وميكائيل في البقرة ، وكما ميز بين الفاكهة ، وبين النخل والرمان وهما سواء .

ثم قال : { ويرسل الصواعق } ، هذا أنزل في أمر عامر ، والأربد بن قيس ، حين أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن عامر بن الطفيل العامرى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أسلم على أن لك المدر ولى الوبر ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما أنت امرؤ من المسلمين ، لك ما لهم ، وعليك ما عليهم" ، قال : فلك الوبر ولى المدر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، قال : فلي الأمرين من بعدك ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الأول : "لك ما لهم ، وعليك ما عليهم" ، فغضب عامر ، فقال : لأملانها عليك خيلا ، ورجالا ، ألف أشقر عليها ألف أمرد .

ثم خرج مغضبا ، فلقي ابن عمه أربد بن قيس العامري ، فقال عامر لأربد : ادخل بنا على محمد ، فألهيه في الكلام ، وأنا أقتله ، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت ، قال أربد : ألهه أنت وأنا أقتله ، فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه وهو ينظر إلى أربد متى يحمل عليه فيقتله ، ثم طال مجلسه ، فقام عامر وأربد فخرجا ، فقال عامر لأربد : ما منعك من قتله ؟ قال : كلما أردت قتله وجدتك تحول بيني وبينه ، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما أرادا ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ، فقال : "الهم اكفني عامرا وأربدا" واهد بني عامر" فأما أربد ، فأصابته صاعقة فمات ، فذلك قوله تعالى : { ويرسل الصواعق } { فيصيب بها من يشآء } ، يعني أربد بن قيس ، { وهم يجادلون في الله } ، يعني يخاصمون في الله .

وذلك أن عامرا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني عن ربك ، أهو من ذهب ، أو من فضة ، أو من نحاس ، أو من حديد ، أو ما هو ؟ فهذا القول خصومته ، فأنزل الله تعالى : { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } [ سورة الإخلاص ] ، يقول : ليس هو من نحاس ولا من غيره ، وسلط الله عليه الطاعون في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول : عامر قتيل بغير سلاح ، غدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية ، أبرز يا ملك الموت حتى أقاتلك ، فذلك قوله : { وهو شديد المحال } [ آية :13 ] ، يعنى الرب تعالى نفسه ، يعني شديد الأخذ إذا أخذ ، نزلت في عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس .