غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

12

وقيل : المضاف محذوف أي يسبح سامعو الرعد من العباد الراجلين للمطر حامدين له أو متلبسين بسبحان الله والحمد لله . وعن علي رضي الله عنه : سبحان من سبحت له . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا اشتد الرعد : " اللَّهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك " وقيل : معنى تسبيح الرعد أن هذا الصوت المخصوص لهوله ومهابته يدل على وجود إله قهار كقوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } [ الإسراء : 44 ] .

قال في الكشاف : ومن بدع المتصوّفة الرعد صعقات الملائكة ، والبرق زفرات أفئدتهم . والمطر بكاؤهم .

أما قوله : { والملائكة من خيفته } أي ويسبح الملائكة من هيبته وجلاله فقد ذكر جمع من المفسرين أنه عنى بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد فإنه سبحانه جعل له أعواناً . قال ابن عباس : إنهم خائفون من الله لا كخوف ابن آدم فإن أحدهم لا يعرف من على يمينه ومن على يساره ولم يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء . وقالت الحكماء : إنما تتم الآثار العلوية بقوى روحانية فلكية ، فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وفي سائر الآثار فهذا هو المراد بالملائكة في الآية . قوله : { ويرسل الصواعق } قد عرفت أنها نار تتولد من السحاب وتنزل بقوّة شديدة فربما غاصت في البحر وأحرقت الحيتان . ووجه الاستدلال بها على الصانع أن النار حارة يابسة وطبيعة السحاب يغلب عليها الرطوبة والبرودة للأجزاء المائية فيه ، وحصول الضد من الضد لا يكون بالطبع وإنما يكون بتدبير القادر المختار وتسخيره .

ولما بين دلائل كمال العلم في قوله : { والله يعلم } ودلائل كمال القدرة في هذه الآية قال : { وهم يجادلون في الله } لأن إنكار المدلول بعد وضوح الدليل جدال بالباطل وعناد محض ، ويحتمل أن تكون الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم ويؤكده ما روي عن ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد بن ربيعة أقبلا يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من أصحابه . يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك . فقال : دعه فإن يردِ الله به خيراً يهده . فأقبل حتى قام عليه فقال : يا محمد ما لي إن أسلمت . فقال : لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم . قال تجعل لي الأمر بعدك . قال : لا ليس ذلك إليّ إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر . قال : لا . قال : فماذا تجعل لي ؟ قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها . قال : أوليس ذلك إليّ اليوم ؟ وكان أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر عليه من خلفه فاضربه بالسيف . فجعل يخاصم رسول الله ويراجعه ويجادل في الله يقول أخبرني عن ربك أمن نحاس هو أم من حديد ، فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومىء إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال : اللَّهم أكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته وولى عامر هارباً وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً وفرساناً مرداً . فقال رسول الله : يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة - يريد الأوس والخزرج - فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه وخرج وهو يقول : واللات لئن أصحر إليّ محمد وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي فأرسل الله إليه ملكاً فلطمه بجناحه فأذراه في التراب وخرجت على ركبته غدة في الوقت عظيمة فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : أغدّة كغدة البعير وموت في بيت السلولية ؟ ثم مات على ظهر فرسه وأنزل الله الآية في هذه القصة . قوله : { وهو شديد المحال } معناه شديد المكر والكيد لأعدائه ، والمماحلة شدة المماكرة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه ، ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان ومنه الحديث : " اللَّهم اجعله - أي القرآن - لنا شافعاً مشفعاً ولا تجعله علينا ماحلاً مصدّقاً " ومن سنة المحل لشدتها وصعوبة أمرها . وأما عبارات المفسرين فقال مجاهد وقتادة : شديد القوّة . أبو عبيدة : شديد العقوبة . الحسن : شديد النقمة . وقيل : شديد الحقد ومعناه راجع إلى إرادة إيصال الشر إلى مستحقه مع إخفاء تلك الإرادة عنه .

/خ29