السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

وأكثر المفسرين على أنّ الرعد في قوله تعالى : { ويسبح الرعد بحمده } على أنه اسم للملك الذي يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه ولا يردّ ذلك عطف الملائكة عليه في قوله تعالى : { والملائكة } ، أي : تسبحه { من خيفته } ، أي : الله ؛ لأنه أفرد بالذكر تشريفاً له ، كما في قوله تعالى : { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } [ البقرة ، 98 ] . قال ابن عباس : «أقبلت يهود على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : أخبرنا عن الرعد ما هو ؟ فقال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب » . قال ابن الأثير : والمخاريق جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً وهي آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه ، وقد جاء تفسير المخراق في حديث آخر ، وهو سوط من نور تزجر به الملائكة السحاب . وعن ابن عباس أنه قال : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير ، فإن أصابته صاعقة فعليّ ديته . وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته . وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى : «لو أنّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت الشمس عليهم بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد » . وفي رواية عن ابن عباس : الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه حيث يؤمر وأنه يحوز الماء في نقرة إبهامه ، وأنه يسبح الله تعالى إذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر . وعن الحسن أنّ الرعد خلق من خلق الله ليس بملك ، وقد اختلفت الروايات في ذلك ، ففي بعضها أنه ملك موكل بالسحاب ، وفي بعضها أنه ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه ، وفي بعضها أنه ملك يسوق السحاب بالتسبيح كما يسوق الحادي الإبل بحدائه ، وفي بعضها : أنه ملك سمي به وهو الذي تسمعون صوته ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في البقرة ، وقيل : هؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله تعالى له أعواناً ، فهم خائفون خاضعون طائعون ، وقيل : المراد بهم جميع الملائكة واستظهر وقوله تعالى : { ويرسل الصواعق } جمع صاعقة وهي العذاب المهلك تنزل من البرق فتحرق من تصيبه { فيصيب بها من يشاء } فيهلكه { وهم يجادلون في الله } حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم والتكذيب التشديد في الخصومة .

روي «أنّ عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف فتنبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " اللهمّ اكفنيهما بما شئت " . فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة فقتلته ، ورمى عامر بغدة فمات في بيت سلولية فكان يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية فنزلت » . «وعن الحسن أنه قال : كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم نفراً يدعونه إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : أخبروني عن رب محمد الذي تدعونني إليه مم هو ؟ أمن ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس ؟ فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا رجلاً أكفر قلباً ولا أعتى على الله منه . فقال صلى الله عليه وسلم : " ارجعوا ، إليه " فرجعوا إليه فجعل لا يزيدهم على مقالته الأولى وقال : أجيب محمد إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا وقالوا : يا رسول الله ، ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث فقال : ارجعوا إليه فرجعوا فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : احترق صاحبكم فقالوا : من أين علمتم ؟ فقالوا : أوحى الله تعالى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم : { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله } » . { وهو شديد المحال } واختلف المفسرون في قوله تعالى : { وهو شديد المحال } فقال عليّ رضي الله عنه : شديد الأخذ . وقال ابن عباس : شديد الحول . وقال مجاهد : شديد القوة . وقال أبو عبيدة : شديد القوة والمغالبة .