الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

ثم قال ( تعالى ) {[35939]} : { ويسبح الرعد بحمده }[ 13 ] قال مجاهد : الرعد : ملك يزجر السحاب {[35940]} .

وقال أبو صالح : الرعد ( ملك ) {[35941]} يسبح {[35942]} .

وقال شهر بن حوشب {[35943]} : الرعد : ملك موكل بالسحاب ، يسوقه {[35944]} كما يسوق الحادي الإبل {[35945]} . فكلما خالفته {[35946]} سحابة صاح ( بها ) {[35947]} ، فإذا اشتد غضبه طارت النار {[35948]} من فيه . فذلك الصواعق الذي رأيتم {[35949]} .

وقال ابن عباس : الرعد : ملك اسمه ( الرعد ) {[35950]} ، ( وهو ) {[35951]} الذي {[35952]} تسمعون صوته {[35953]} . وكان {[35954]} ابن عباس إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحت له . وكان يقول الرعد : ملك ينعق بالغيث ، كما ينعق الراعي بغنمه {[35955]} .

وروى {[35956]} مجاهد ، عن ابن عباس ( أنه قال ) {[35957]} : الرعد ( اسم ملك ) {[35958]} وصوته {[35959]} هذا تسبيحه ، فإذا اشتد زجره للسحاب اضطرب {[35960]} السحاب من خوفه فيحتك {[35961]} . فتخرج الصواعق من فيه {[35962]} .

وسئل علي رضي الله عنه {[35963]} عن الرعد : فقال : هو ملك {[35964]} ، وسئل عن البرق ، ( فقال ) {[35965]} : مخاريق بأيدي الملائكة تزجر السحاب {[35966]} .

وعن الضحاك أنه قال : الذي يسمع تسبيح الملك ، واسمه الرعد {[35967]} .

قال مجاهد : الرعد : ملك يزجر {[35968]} السحاب بصوته {[35969]} {[35970]} .

وعن ابن عباس ، رضي الله عنه {[35971]} أن الرعد : ريح يختنق {[35972]} تحت السحاب ، فتتصاعد فيكون منها ذلك الصوت {[35973]} .

وعنه {[35974]} أيضا أنه ، قال : البرق : ملك يتراءى . وأكثر المفسرين على أنه ملك كما تقدم {[35975]} .

( وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا سمع الرعد الشديد ، قال : اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ) {[35976]} . وهذا الدعاء يدل على أنه صوت ملك .

( وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يقول إذا سمع الرعد {[35977]} : " سبحان من يسبح {[35978]} الرعد بحمده ) {[35979]} : فهذا يدل على أن الرعد ملك .

وكان ابن عباس ، وعلي ( رضي الله عنهما ) {[35980]} يقولان إذا سمعا الرعد : سبحان من سبحت له {[35981]} ، فهذا يدل على أنه ملك .

ومعنى { ويسبح الرعد بحمده }[ 13 ] : أي : ( يعظم الله ويمجده ، ويثني عليه بصفاته {[35982]} . وحكي عن العرب سبحان من يسبح الرعد بحمده ، يريدون ( من ) فأقعوا ( ما ) {[35983]} ، مكان ( من ) .

ثم قال : { والملائكة من خيفته }[ 13 ] : أي : وتسبح {[35984]} الملائكة من خيفته ، أي : من رهبته {[35985]} .

وروي أن خوف الملائكة ليس كخوف بني آدم ، لأن طائفة من الملائكة ساجدون ، منذ خلقوا {[35986]} ، باكون ، ومنهم طائفة يسبحون ويهللون ، لا يعرف أحدهم من على يمينه ، ولا من على شماله ، ولا {[35987]} يشغلهم عن عبادة الله ( عز وجل ) {[35988]} شيء {[35989]} .

قال الله عز وجل {[35990]} عن الملائكة : { يسبحون بالليل والنهار لا يفترون } {[35991]} فعلى قدر أعمالهم واجتهادهم ، كذلك خوفهم .

وقوله : { ويرسل الصواعق }[ 13 ] : الصاعقة من النار التي تخرج من فم الرعد / إذا غضب {[35992]} ، فقد تقدم ذكرها بأشبع من هذا في سورة البقرة {[35993]} .

وهذه الآية نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم {[35994]} فقال له : أخبرني عن ربك : من أي شيء هو ؟ من لؤلؤ أو ياقوت . فجاءت صاعقة ، فأخذته ، فأنزل الله عز وجل {[35995]} : { ويرسل الصواعق فيصيب به من يشاء } {[35996]}[ 13 ] .

ودل على هذا القول قوله : { وهم يجادلوه في الله }[ 13 ] : فالضمير في ( هم ) لليهودي {[35997]} ، وجمع لأنه لأن له أتباعا على قوله ومذهبه {[35998]} .

وروي أنها نزلت في رجل من فراعنة العرب ، وهو أربد ، وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الله ، فقال : وما الله ؟ أمن ذهب هو أم من فضة ؟ أم من النحاس ؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فدعاه ثانية ، فبينما النبي عليه السلام يراجع {[35999]} الكافر في {[36000]} الدعاء إلى الله سبحانه ، إذ بعث الله سحابة بِحُيال {[36001]} رأس الكافر ، فرعدت ، فوقعت منها صاعقة ، فذهبت بقحف رأسه ، فأنزل الله عز وجل {[36002]} : { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } {[36003]} الآية [ 13 ] .

وقال قتادة : ( أنكر رجل ) {[36004]} القرآن ، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم {[36005]} ، فأنزل الله ( عز وجل ) {[36006]} عليه صاعقة ، فأهلكته ، فنزلت الآية فيه {[36007]} .

وقال ابن جريج : نزلت في أربد {[36008]} أخي لبيد بن ربيعة {[36009]} ، همَّ هو ، وعامر بن الطفيل بقتل النبي صلى الله عليه وسلم {[36010]} . فبعث الله تعالى عليه صاعقة فاحترق {[36011]} .

ومعنى قوله : { وهو شديد المحال }[ 13 ] قال علي ( بن أبي طالب ) {[36012]} عليه السلام : ( شديد الأخذ ) {[36013]} .

وقال مجاهد : ( رحمه الله ) {[36014]} : شديد القوة {[36015]} .

وقال قتادة ( رحمة الله عليه ) {[36016]} : المحال : القوة والحيلة {[36017]} .

وقال ابن عباس : ( رضوان الله عليه ) {[36018]} : شديد الحَوْل {[36019]} .

وقال الحسن : ( نضر الله وجهه ) {[36020]} : شديد المكر ، من قولهم : محَلَ به {[36021]} : إذا مكر به {[36022]} ، ومن جعله من الحول ، والحيلة ، فالأشبه {[36023]} بقراءته أن يقرأ بفتح الميم ، لأن الحيلة لا يأتي مصدرها إلا بفتح الميم نحو : محالة ، ومنه قولهم : ( المرء يعجز لا محالة ) {[36024]} .

وبه قرأ الأعرج {[36025]} فأما {[36026]} من كسر الميم {[36027]} فهو مصدر من : ( ما {[36028]} حلت فلانا ، مماحلة ، ومحالا ، فالمماحلة بعيدة المعنى من الحيلة {[36029]} .

فإذا جعلته {[36030]} من الحول فوزنه ( مِفعَلٌ ) ، وأصله ( مِحْوَل ) ثم قلبت {[36031]} حركة الواو على الحاء ، وقلبت الواو ألفا {[36032]} كاعتلال ( مقال ) و( مقال ) . وإن جعلته من ( مُحال ) {[36033]} فوزنه ( فُعال ) لا اعتلال فيه .


[35939]:ساقط من ط.
[35940]:وهو رأي جمهور المفسرين، انظر: جامع البيان 1/338، وإعراب النحاس 2/354 ومعاني الزجاج 3/143.
[35941]:ساقط من ق.
[35942]:انظر هذا القول في: جامع البيان 1/338.
[35943]:ط: حوشب، وشهر هو ابن حوشب الأشعري، تابعي، روى عن: بلال، وتميم الداري، وجابر، وعائشة، وعنه: زبير اليامي، وعاصم بن بهدلة، وسواهما، انظر: طبقات الفقهاء 69، وتاج العروس 1/214 و3/321. والتقريب: 1/341.
[35944]:ق: يسوقهم.
[35945]:ط: يسبح.
[35946]:ط: خالف.
[35947]:ساقط من ط.
[35948]:ق: طاب الماء.
[35949]:انظر هذا القول في: جامع البيان 1/339.
[35950]:ساقطة من ق.
[35951]:ساقطة من النسختين، والتصويب من الطبري.
[35952]:ق: والذين.
[35953]:انظر هذا القول في: جامع البيان 1/339.
[35954]:ق: وقال كان.
[35955]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 1/341.
[35956]:ط: روي.
[35957]:ما بين القوسين ساقط من ق.
[35958]:ساقط من ط.
[35959]:ط: مطموس.
[35960]:في النسختين معا: اضطرم. ولعل الصواب ما أثبت.
[35961]:ق: فيحيك ط: فتحبك.
[35962]:انظر هذا القول في: جامع البيان 1/339.
[35963]:ساقط من ق.
[35964]:انظر: المصدر السابق 1/340.
[35965]:ساقط من ق.
[35966]:هذا القول جزء من حديث طويل، رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وذلك لما سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، عن خمسة أشياء، منها: الرعد، انظر: تحفة الأحوذي 8/522 كتاب التفسير، سورة الرعد. وانظر: المسند 1/274، وكلاهما عن ابن عباس. ورواه الطبري في جامع البيان 1/343 موقوفا على ابن عباس.
[35967]:رواية الضحاك متقدمة في النسخة ط على تلك المنسوبة إلى علي، كرم الله وجهه.
[35968]:ط: يزجي.
[35969]:ساقط من ق.
[35970]:وهو أيضا قول عكرمة، انظر: جامع البيان 1/340، وانظر: قول مجاهد أيضا فيه: 1/338.
[35971]:ط: أيضا.
[35972]:ق: تختنق.
[35973]:انظر هذا القول في: جامع البيان 1/341.
[35974]:ق: ومنه.
[35975]:انظر: تفسير سورة الفاتحة، والبقرة 1/168.
[35976]:هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد تحت رقم 721، والإمام أحمد 2/100 في مسنده عن ابن عمر.
[35977]:ق: الرعد فقال.
[35978]:ط: سبح.
[35979]:هذا الحديث أخرجه الطبري مرفوعا في: جامع البيان 16/389.
[35980]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[35981]:انظر: هذا الخبر في: جامع البيان 16/389.
[35982]:انظر: هذا التوجيه بتمامه في: جامع البيان 16/390.
[35983]:ط: سبح.
[35984]:ق: ويسبح.
[35985]:ق: هبته. وانظر: هذا التوجيه في جامع البيان 16/390.
[35986]:ق: خلقوا خلقوا وهو سهو من الناسخ.
[35987]:ط: لا.
[35988]:ساقط من ق.
[35989]:وهو قول ابن عباس في: الجامع 19/194.
[35990]:ط: جل وعز.
[35991]:الأنبياء: 20.
[35992]:انظر: اللسان: صعق.
[35993]:انظر: تحقيق تفسير الفاتحة والبقرة 1/240.
[35994]:ط: عليه السلام.
[35995]:ساقط من ق.
[35996]:هذا حديث مرسل، رواه التابعي: عبد الرحمن بن صحار العبدي في جامع البيان 16/، وعلق عليه الشيخ شاكر بقوله: وهو صحيح الإسناد.
[35997]:ق: وهي اليهودي.
[35998]:انظر: ما نقله ابن عطية عن المؤلف في المحرر 10/28.
[35999]:ق: يرجع.
[36000]:ق: وفي.
[36001]:ط: مطموس.
[36002]:ساقط من ق.
[36003]:هذا الأثر رواه الطبري في جامع البيان، عن علي بن أبي سارة الشيباني، عن ثابت، عن أنس، وهو ضعيف جدا، لوجود الشيباني الذي ضعفه المحدثون لكن روايته قد غلب عليها المناكير. كذا حققه الشيخ شاكر. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7/42، وذكر الزجاج – غير منسوب – في معانيه 3/143. وعزاه في الجامع 9/194-195 إلى ابن عباس، وعلي بن أبي طالب ومجاهد.
[36004]:ساقط من ط.
[36005]:ط: عليه السلام.
[36006]:ساقط من ق.
[36007]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/393.
[36008]:ق: بأربد.
[36009]:لبيد بن ربيعة هو الشاعر المخضرم، صاحب المعلقة.
[36010]:ط: عليه السلام.
[36011]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/393-394.
[36012]:ساقط من ط.
[36013]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/396.
[36014]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[36015]:انظر المصدر السابق.
[36016]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[36017]:المصدر السابق.
[36018]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[36019]:نفس المصدر السابق.
[36020]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[36021]:ق: له.
[36022]:انظر: اللسان: محل.
[36023]:ق: ما لا يشبه.
[36024]:انظر: هذا المثل ف ي: مجمع الأمثال 2/221، والجمهرة 193.
[36025]:جمهور القراء على أنها بالكسر إلا الضحاك والأعرج، انظر: شواذ القرآن 71، والمحرر 10/28، والبحر المحيط 5/376.
[36026]:ساقط من ق.
[36027]:انظر المصادر في الهامش رقم (4).
[36028]:ق: مما.
[36029]:انظر هذا التوجيه بتمامه في: جامع البيان 16/377. والمماحلة من ما حلت فلانا. فأنا أما حله، أماحله، ومحالا: إذا عرض رجل رجلا لما يهلكه انظر: اللسان: محل.
[36030]:ط: جعلت.
[36031]:ق: قلت.
[36032]:ق: وألفا.
[36033]:ط: محل.