فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ( 13 ) }

{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ } نفسه متلبسا { بِحَمْدِهِ } وليس هذا بمستبعد ، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد بذلك ويكون ذكره على الإنفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له وعناية به ، والمسموع لنا منه هو نفس صوته إذا سبح التسبيح المذكور .

وقيل هو صوت الآلة التي يضرب بها السحاب أي الصوت الذي يتولد عنه الضرب ، وقيل المراد ويسبح سامعو الرعد ، أي يقولون سبحان الله وبحمده ، والأول أولى .

أخرج أحمد عن شيخ من بني غفار قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الله ينشئ السحاب فينطق أحسن النطق ويضحك أحسن الضحك{[992]} ، وقيل والمراد بنطقها الرعد وبضحكها البرق ، وقد ثبت عند أحمد والترمذي والنسائي في اليوم والليلة والحاكم في مستدركه من حديث ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال : اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك{[993]} .

وأخرج العقيلي وضعفه وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ينشئ الله السحاب ثم ينزل فيه الماء فلا شيء أحسن من ضحكه ولا شيء أحسن من نطقه ، ومنطقه الرعد وضحكه البرق{[994]} .

وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن منشأ السحاب فقال : إن ملكا موكلا يلم القاصية ويلحم الدانية ، بيده مخراق فإذا وقع برقت وإذا زجر رعدت ، وإذا ضرب صعقت .

وعن ابن عباس قال : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال : ملك من ملائكة الله سبحانه موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله ، قالوا : فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال : صوته ، قالوا : صدقت ، أخرجه الترمذي وغيره{[995]} .

وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا في المطر وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له ، وقال إن الرعد ملك ينعق بالغيث كنا ينعق الراعي بغنمه ، وقد روي نحو هذا عنه من طرق وعن أبي هريرة أن الرعد صوت الملك ، وعن ابن عمر نحوه .

وعن ابن عباس قال : الرعد ملك اسمه الرعد وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتد زجره احتك السحاب واضطرم من خوفه فتخرج الصواعق من بينه . وعن أبي عمران الجوني قال : أن بحورا من نار دون العرش تكون منها الصواعق . وعن السدي قال : الصواعق نار .

وتسبح { الْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } سبحانه أي هيبته وجلاله ، وقيل من خيفة الرعد ، وقد ذكر جماعة من المفسرين أن هؤلاء الملائكة هم أعوان الرعد وأن الله سبحانه جعل له أعوانا .

{ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء } من خلقه فيهلكه ، وسياق هذه الأمور هنا للغرض الذي سيقت له الآيات التي قبلها وهو الدلالة على كمال قدرته ، والصواعق جمع صاعقة وهي العذاب النازل من البرق ، وقيل هي الصوت الشديد النازل من الجو ثم يكون فيه نار أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد ، وهذه الأشياء تنشأ منها .

قال الكرخي : وأمر الصاعقة عجيب جدا لأنها نار تتولد في السحاب وإذا نزلت من السحاب فربما غاصت في البحر وأحرقت الحيتان . قال محمد ابن علي الباقر : الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر .

{ وَهُمْ } أي الكفار المخاطبون في قوله ، وهو الذي يريكم البرق { يُجَادِلُونَ فِي } شأن { اللّهِ } فينكرون البعث تارة ويستعجلون بالعذاب أخرى ويكذبون الرسل ويعصون الله ، وقيل الضمير راجع إلى من وأعاد عليها الضمير جمعا باعتبار معناها ، ثم المجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله والجملة مستأنفة .

{ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } أي المماحلة والمكايدة لأعدائه من محل بفلان إذا كاده وعرضه للهلاك ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ، ولعل أصله المحل بمعنى القحط ، والجملة حالية من الجلالة الكريمة ويضعف استئنافها .

قال ابن الأعرابي : المحال المكر والمكر من الله التدبير بالحق ، وقال النحاس : المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر ، وقال الأزهري : المحال فعال من المحل بمعنى القوة والشدة والميم أصلية وما حلت فلانا محالا أينا أشد وقال أبو عبيدة المحال العقوبة والمكروه .

قال الزجاج : يقال ما حلته محالا إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد والمحل في اللغة الشدة ، قال ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة بل هي أصلية وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية مثل مهاد وملاك ومراس وغير ذلك من الحروف ، وفي القاموس المحال ككتاب الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والمعادلة كالمماحلة والقوة والشدة والهلاك والإهلاك .

ومحل به مثلث الحاء محلا ومحالا كاده بسعاية إلى السلطان وماحله ممحالة ومحالا قاواه حتى يتبين أيهما أشد انتهى . وللصحابة والتابعين في تفسير المحال هنا أقوال ثمانية :

الأول : العداوة .

الثاني : الحول .

الثالث : الأخذ ، وبه قال ابن عباس .

الرابع : الحقد .

الخامس : القوة .

السادس : الغضب .

السابع : الهلاك .

الثامن : الحيلة .


[992]:صحيح الجامع الصغير 1916.
[993]:المستدرك كتاب الأدب 4 / 286.
[994]:أحمد بن حنبل 5 / 435.
[995]:الترمذي كتاب التفسير سورة 13 – أحمد بن حنبل 1 / 274.