تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) اختلف في الرعد والبرق : قال بعضهم : هو اسم ملك من الملائكة موكل بالسحاب ، صوته تسبيحه .

روي عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «أقبلت يهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ، ما هو ؟ قال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب ، معه مخاريق من نار ، يسوق بها السحا حيث شاء الله ، فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال زجرة السحاب ، إذا زجره ، حتى ينتهي إلى حيث أمره ، قالوا : صدقت »[ أحمد : 1/274 ] فإن ثبت هذا فهو هو .

وعن علي رضي الله عنه أنه سئل عن البرق والرعد ، قال : الرعد الملك ، والبرق ضربة السحاب بمخراق من حديد . وقيل : الرعد ملك على ما ذكرنا ، يزجر السحاب بالتسبيح ، ويسوقه . فإذا اشتدت سحابة ضمها . وإذا اشتد غضبه أصدر[ في الأصل وم : صار ] من فيه النار ، فهي الصواعق ، وقيل : هو الريح ، تسوق السحاب ، [ فإذا تراكمت السحب ][ من م ، ساقطة من الأصل ] فلم تجد منفذا ، صوتت ، فذلك صوتها .

وقال بعضه الفلاسفة : الرعد اصطكاك الأجرام ، فيحدث [ بهذا صوت كالحجر ][ في الأصل وم : هذا الصوت ] يصك الحجر ، وقال بعضهم من الفلاسفة : إنما هي ريح تختنق تحت السحاب ، فتصدعه ، فذلك الصوت منه . وأي شيء كان الرعد : الملك أو الريح ، أو ما كان ، فالتسبيح يحتمل من كل شيء على ما أخبره الله تعالى : التسبيح من كل شيء حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده )[ الإسراء : 44 ] .

فيحتمل تسبيح الخلقه [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] جعل في خلقة كل شيء حمد صانعه وبراءة منشئه من كل ما وصفه الملحدون ودلالة ألوهيته وربوبيته .

ويحتمل تسبيح [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] جعل في سرية كل شيء تسبيحه وتنزيهه ما لا يفهمه الخلق .

وعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «الرعد ملك ، وهذا تسبيحه ، والبرق سوطه الذي يزجي به السحاب »[ السيوطي في الدر المنثور4/622 ] قيل : أمثال ذلك كثير ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى أنه هول هائل ، يهول الخلق ، ويذكرهم سلطانه وعظمته ، ولولا أنهم اعتادوا ذلك ، وإلا لم تقم أنفسهم لسماع ذلك .

وقوله تعالى : ( ويسبح الرعد بحمده ) أي يذكرهم سلطانه وعظمته ، فيكون ذلك تسبيحه وما ذكروا من سلطانه وعظمته ( والملائكة من خيفته ) أي تسبح الملائكة من خوفه ، [ والرعد يسبح ][ في الأصل وم : الرعد ويسبح ] ، ويذكر الخلق عظمة الله وسلطانه [ فيدل على ][ في الأصل وم : فدل ] الثناء عليه .

والملائكة يسبحونه في ما بينهم وبين ربهم [ من خيفته ، أي من خوفه ][ ساقطة من الأصل وم ] ولم يذكر فيهم التسبيح بحمده ، وذكر في الرعد[ أدرج بعدها في الأصل وم : ( والملائكة من خيفته ) أي من خوفه ] .

ثم الخوف يخرج على وجهين :

أحدهما : خوف من عقوبته لأنه قد جاء فيهم الوعيد إذا زلوا كقوله : ( ومن يقل منهم إني إله من دونه ، فذلك نجزيه جهنم )[ الأنبياء : 29 ] .

والثاني : خوف رهبة وهيبة ، لا خوف عقوبة ، لأن الله تعالى وصفهم بالطاعة والاستسلام كقوله : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )[ التحريم : 6 ] وقوله : ( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون )[ الأنبياء : 19 ] ونحو ذلك .

ثم خوف الهيبة لا يزول في الآخرة ، وخوف العقوبة يزول .

وقوله تعالى : ( ويرسل الصواعق ) قيل : الصعقة الصيحة التي فيها موت البعض وذهاب[ في الأصل وم : ويذهب ] عقل البعض كقوله : ( فصعق من في السموات ومن في الأرض )[ الزمر : 68 ] وقيل : هي اسم العذاب ، وقد ذكرنا في ما تقدم [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] ذكر في بعض الأخبار أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن شيء من أمر الرب ، فجاءت صاعقة ، فأحرقته ، ونزل ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله ) أي في توحيد الله لأن أهل الكفر كلهم كانت مجادلتهم في توحيد الله وألوهيته .

وقوله تعالى : ( وهو شديد المحال ) قال بعضهم : شديد الانتقام والعقوبة . وقيل : شديد القوة ، وقيل : شديد الأخذ .

وقال القتبي : المحال من الكيد والمكر . وأصل المحال : الحيلة [ لكن سمى باسم الأول لأنه جزاء الحيلة ][ من م ، ساقطة من الأصل ] فيكون كتسمية جزاء السيئة سيئة ، وجزاء الاعتداء اعتداء . والمكر ما ذكرنا أنه الأخذ من حيث لا يشعرون به . وقال أبو عوسجة : المحال عندي [ من المكر ][ ساقطة من الأصل وم ] .

وقال أبو عوسجة : ( معقبات ) الحفظة الذين ( يحفظونه من أمر الله )[ الرعد : 11 ] يحفظونه بأمر الله ، ويقال : عقبة أي حفظة ، وأما قوله تعالى : ( لا معقب لحكمه )[ الرعد : 41/262-أ/ فمعناه[ في الأصل وم : أي ] لا راد لحكمه ، قال : ويقال [ في ][ ساقطة من الأصل وم ] غير هذا : عقب فلان فلانا ، أي ذهب هو ، وجاء هذا ، ويقال : عقبت أي رجعت ، ومأخذهما من العقب ويقال : رجع على عقبيه أي من حيث جاء .

وقال القتبي : ( له معقبات ) ملائكة يعقب بعضهم بعضا في الليل والنهار ، إذا مضى فريق خلقت بعده فريق آخر ( يحفظونه من أمر الله ) أي بأمر الله ، وقوله تعالى : ( وما لهم من دونه من وال ) أي ولي ، مثل : قادر ، وقدير ، وحافظ ، وحفيظ ، وذلك جائز في اللغة .