محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

[ 13 ] { ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال 13 } .

{ ويسبح الرعد بحمده } أي يسبح سامعوه من العباد الراجين للمطر متلبسين بحمده ، أي : يضجون ب ( سبحان الله والحمد لله ) فيكون على حذف مضاف أو إسنادا مجازيا للحامل والسبب ، أو يسبح الرعد نفسه ، بمعنى دلالته على وحدانيته تعالى وفضله ، المستوجب لحمده . فيكون الإسناد على حقيقته والتجوّز في التسبيح والتحميد . إذ شبه دلالته بنفسه على تنزيهه عن الشرك والعجز بالتسبيح والتنزيه اللفظي . ودلالته على فضله ورحمته ، بحمد الحامد لما فيها من الدلالة على صفات الكمال .

قال الرازي : الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص . والتسبيح والتقديس وما يجري مجراهما ، ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول التنزيه والتقديس لله سبحانه وتعالى . فلما كان حدوث / هذا الصوت دليلا على وجود متعال عن النقص والإمكان ، كان ذلك في الحقيقة تسبيحا وهو معنى قوله تعالى{[5073]} : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } .

{ والملائكة من خيفته } أي : وتسبح الملائكة من خوف الله تعالى وخشيته وإجلاله { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } أي فيهلك بها من يشاء وقوله تعالى : { وهم يجادلون في الله } يعني الكفرة المخاطبين في قوله تعالى : { هو الذي يريكم البرق } وقد التفت إلى الغيبة إيذانا بإسقاطهم عن درجة الخطاب وإعراضا عنهم ، وتعديدا لجناياتهم لدى كل من يستحق الخطاب . كأنه قيل : هو الذي يفعل أمثال هذه الأفاعيل العجيبة ، من إراءة البرق وإنشاء السحاب الثقال وإرسال الصواعق الدالة على كمال علمه وقدرته . ويعقلها من يعقلها من المؤمنين أو الرعد نفسه والملائكة . ويعملون بموجب ذلك من التسبيح والحمد والخوف من هيبته تعالى ، و { هم } أي الكفرة الذين حكيت هناتهم مع ذلهم وهوانهم وحقارة شأنهم ، يجادلون في شأنه تعالى ، بإنكار البعث واستعجال العذاب ، استهزاء واقتراح الآيات . فالواو لعطف الجملة على ما قبلها من قوله تعالى : { هو الذي يريكم } أفاده أبو السعود .

أي يريكم ما ذكر من الآيات الباهرة الدالة على القدرة والوحدانية . وأنتم تجادلون فيه و ( الجدال ) أشد الخصومة ، من ( الجدل ) بالسكون وهو فتل الحبل ونحوه ، لأنه يقوى به وتشتد طاقته . { وهو شديد المحال } أي : والحال أنه شديد المماحلة والمماكرة والمكايدة لأعدائه . يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون ، من ( محله ) إذا كاده وعرّضه للهلاك ، ومنه ( تمحّل لكذا ) إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه .

تنبيه :

ذكر في العلم الطبيعي : أن الصواعق شرارات تنطلق دفعة واحدة من تموجات السحب / ومصادمتها لبعضها : فيحصل في الهواء اهتزاز قوي ، وأما الرعد فهو الصوت الذي يحصل من ذلك الانطلاق ويصل إلينا ببطء على حسب بعد السحب الحاملة للصواعق عنا . وعلى حسب اتساع السحب ، يطول سماعنا لصوت الرعد وإذا لمع البرق من السحابة ، فقد تمت نتائج الصاعقة . فمتى مضت برهة لطيفة بين لمعان البرق وسماع الرعد ، فقد أمن ضررها . فإن لم يمض بينهما شيء ، بأن كان الإنسان قريبا من محل الصاعقة وسمع الرعد ومشاهدة البرق في آن واحد ، أمكن أن يصاب بالصاعقة في مرورها . وأما سبب انفجار الصاعقة فقالوا : من المعلوم أن انطلاق الكهربائية إنما يحصل باتحاد كهربائية الأجسام مع بعضها فإذا اقترب السحاب من الأجسام الأرضية طلبت الكهربائية السحابية أن تتحد بالكهربائية الأرضية فتنبجس بينهما شرارة كهربائية هي البرق . وحينئذ يقال : إن الأجسام الأرضية صعقت : هذا مجمل ما قالوه .

وقد حاول الرازي الجمع بين ما روي عن بعض السلف : أن الرعد ملك ، وبين ما ثبت في العلم الطبيعي بما يدفع المنافاة فقال : اعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية ، فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره ، وكذا القول في الرياح وفي سائر الآثار العلوية . قال : وهذا عين ما نقلناه من أن الرعد اسم ملك من الملائكة يسبح الله ، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء ، فكيف يليق بالعاقل الإنكار ؟ انتهى .


[5073]:[17 / الإسراء / 44].