فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

{ وَيُسَبّحُ الرعد بِحَمْدِهِ } أي : يسبح الرعد نفسه بحمد الله أي : متلبساً بحمده ، وليس هذا بمستبعد ، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك { وَإِن مّن شَي إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } [ الإسراء : 44 ] . وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد في ذلك ، ويكون ذكره على الإفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له ، وعناية به ، وقيل : المراد : ويسبح سامعو الرعد ، أي يقولون : سبحان الله والحمد لله { والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ } أي : ويسبح الملائكة من خيفة الله سبحانه . وقيل : من خيفة الرعد . وقد ذكر جماعة من المفسرين أن هؤلاء الملائكة هم أعوان الرعد . وأن الله سبحانه جعل له أعواناً { وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء } من خلقه فيهلكه ، وسياق هذه الأمور هنا للغرض الذي سيقت له الآيات التي قبلها ، وهي الدلالة على كمال قدرته { وَهُمْ يجادلون فِي الله } الضمير راجع إلى الكفار ، المخاطبين في قوله : { هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق } أي : وهؤلاء الكفرة مع هذه الآيات التي أراهم الله يجادلون في شأن الله سبحانه فينكرون البعث تارة ، ويستعجلون العذاب أخرى ، ويكذبون الرسل ويعصون الله ، وهذه الجملة في محل نصب على الحال ، ويجوز أن تكون مستأنفة { وَهُوَ شَدِيدُ المحال } قال ابن الأعرابي : المحال المكر ، والمكر من الله : التدبير بالحق . وقال النحاس : المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر . وقال الأزهري : المحال : القوة والشدة ، والميم أصلية ، وما حلت فلاناً محالاً أينا أشد . وقال أبو عبيد : المحال : العقوبة والمكروه . قال الزجاج : يقال ما حلته محالاً : إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد ، والمحْلُ في اللغة : الشدة . وقال ابن قتيبة : أي شديد الكيد ، وأصله من الحيلة جعل الميم كميم المكان ، وأصله من الكون ، ثم يقال : تمكنت . قال الأزهري : غلط ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة ، بل هي أصلية . وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية ، مثل مهاد وملاك ومراس وغير ذلك من الحروف . وقرأ الأعرج «وهو شديد المحال » بفتح الميم . وقد فسرت هذه القراءة بالحول .

وللصحابة والتابعين في تفسير المحال هنا أقوال ثمانية : الأول : العداوة . الثاني الحول . الثالث الأخذ . الرابع : الحقد . الخامس : القوة . السادس : الغضب . السابع : الهلاك . الثامن : الحيلة .

/خ18