تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

وقوله : { إذ يغشيكم النعاس } ، وذلك أن كفار مكة سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر ، فخلفوا الماء وراء ظهورهم ، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء ، وبينهم وبين عدوهم بطن واد فيه رمل ، فمكث المسلمون يوما وليلة يصلون محدثين مجنبين ، فأتاهم إبليس ، لعنة الله ، فقال لهم : أليس قد زعمتم أنكم أولياء الله على دينه ، وقد غلبتم على الماء تصلون على غير طهور ، وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء ، حتى إذا انقطعت رقابكم من العطش ، قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضا ، فيقرنونكم بالحبال ، فيقتلون منكم من شاءوا ، ثم ينطلقون بكم إلى مكة . فحزن المسلمون وخافوا ، وامتنع منهم النوم ، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن ، فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم ، وأرسل السماء عليهم ليلا ، فأمطرت مطرا جوادا حتى سالت الأودية ، وملؤوا الأسقية ، وسقوا الإبل ، واتخذوا الحياض ، واشتدت الرملة ، وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال ، وكانت باعة المؤمنين رجال لم يكن معهم إلا فارسان : المقداد بن الأسود ، وأبو مرثد الغنوى ، وكان معهم ستة أدرع ، فأنزل الله { إذ يغشيكم النعاس } { أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } من الأحداث ، والجنابة ، { ويذهب عنكم رجز الشيطان } ، يعني الوسوسة التي ألقاها في قلوبكم والحزن ، { وليربط على قلوبكم } بالإيمان من تخويف الشيطان ، { ويثبت به } يعنى بالمطر ، { الأقدام } [ آية : 11 ] .