الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

قوله : { إذ يغشيكم النعاس }[ 11 ] ، الآية .

من قرأ : { إذ يغشيكم }{[26926]} ، احتج بإجماعهم{[26927]} على : { يغشى طائفة منكم }{[26928]} .

ومن قرأ : { يغشيكم }{[26929]} ، مشددا ، فرد{[26930]} الفعل إلى الله عز وجل ، احتج بقوله : { وينزل عليكم }[ 11 ] ، وهو لله بلا اختلاف{[26931]} . فكون الكلام على نظام واحد أحسن{[26932]} .

وقوله : { أمنة }[ 11 ] ، : مفعول من أجله{[26933]} .

وقيل : هو مصدر{[26934]} .

وقوله { إذ يغشيكم } : العامل في { إذ } قوله : { إلا بشرى }{[26935]}[ 10 ] ، { إذ يغشيكم } ، أي : حين يغشيكم .

ومعنى { يغشيكم } : يلقى عليكم{[26936]} ، و{ أمنة } : أمانا من الله{[26937]} لكم من عدوكم أن يغلبكم{[26938]} ، وذلك يوم أحد أنزل الله عز وجل ، عليكم النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم أحد{[26939]} .

وقوله : { وينزل عليكم من السماء ماء }[ 11 ] .

كان هذا يوم بدر ، أصبح المسلمون مجنبين على غير ماء ، فأنزل الله عز وجل ، ( عليهم{[26940]} ) مطرا فاغتسلوا ، وكان الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم{[26941]} به من إصباحهم مجنبين على غير ماء{[26942]} ؛ لأن المشركين سبقوا المسلمين ببدر إلى الماء{[26943]} فأصبح المسلمون عطاشا{[26944]} مجنبين ومحدثين ، فوسوس إليهم الشيطان ، وقال : عدوكم على الماء ، وأنتم تزعمون / أنكم مسلمون ، فأزال الله الأحداث{[26945]} والعطش والوسوسة بالمطر الذي أنزل عليهم ، وسكن به الغبار ، وتمهدت{[26946]} الأرض للوطء عليها{[26947]} .

قيل : كانت سبخة{[26948]} لا تثبت عليها الأقدام{[26949]} .

وقيل : كانت رملا{[26950]} .

وكانت آية عظيمة في ثبات أقدامهم في المطر على سبخة .

وقول من قال : كانت الأرض رملة أولى ، لقوله{[26951]} : { ويثبت به الاقدام } .

قال قتادة : ذكر لنا أنهم مُطِروا يومئذ حتى سال الوادي ماء ، وكانوا قد التقوا على كثيب{[26952]} أعفر فلبَّده{[26953]} الله عز وجل بالماء ، وشرب المسلمون واستقوا ، [ و{[26954]} ] أذهب الله عز وجل ، عنهم وساوس الشيطان وأحزانه{[26955]} .

وكان المشركون سبقوا إلى الماء وإلى الأرض الشديدة ، ونزل المسلمون على غير ماء وعلى رمل ، فأراهم الله عز وجل ، بنزول المطر قدرته ، وأثبت في قلوبهم أمارة النصر والغلبة فتقوت نفوسهم وتشجعوا ، وذهب عنهم وسوسة الشيطان .

وقوله : { ويثبت به الاقدام }[ 11 ] .

أي : بالمطر ، وذلك أنهم التقوا مع عدوهم على رملة فلبَّّدها المطر حتى تثبت الأقدام عليها{[26956]} ، وكان هذا كله ليلة اليوم الذي ألقوا فيه في بدر .

وقوله : { ويذهب عنكم رجز الشيطان }[ 11 ] .

أي : وساوسه{[26957]} .

وقال القتيبي{[26958]} : كيده{[26959]} .


[26926]:بفتح الياء، وسكون الغين، وفتح الشين وتخفيفها، وبألف بعد الشين. وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، كما في التبصرة 211، وكتاب السبعة في القراءات 304، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/222، وحجة القراءات لأبي زرعة 308، وسراج القارئ 233. وينظر: جامع البيان 13/420، والمحرر الوجيز 2/506، وتفسير القرطبي 7/236، والبحر المحيط 4/461.
[26927]:انظر: الكشف 1/360.
[26928]:آل عمران: 154، ومستهل الآية: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية...}، الآية. قال في الكشف 1/489: "وحجة من قرأ بـ"الألف" ورفع "النعاس" أنه أضاف الفعل إلى {النعاس} فرفعه به، ودليله قوله: {أمنة نعاسا يغشى}، [آل عمران: 154]، في قراءة من قرأه بـ: "الياء" أو "التاء"، فأضاف الفعل إلى "النعاس" أو إلى "الأمنة". و"الأمنة" هي "النعاس". فأخبر: أن النعاس هو الذي يغشى القوم".
[26929]:بضم الياء، وفتح الغين، وكسر الشين وتشديدها. وهي قراءة عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، كما في التبصرة 211، وكتاب السبعة في القراءات 304، ومعاني القراءات 1/437، وإعراب القراءات السبع 1/222، وسراج القارئ 233. وينظر المحرر الوجيز 2/506، والبحر المحيط 4/461.
[26930]:في الأصل: فردد، بدالين مهملتين، وهو سبق قلم ناسخ.
[26931]:انظر: جامع البيان 13/421.
[26932]:قال في الكشف 1/460: "وحجة من ضم "الياء" وخفف أو شدد أنه أضاف الفعل إلى الله، لتقدم ذكره في قوله: {وما النصر إلا من عند الله} فنصب {النعاس} لتعدي الفعل إليه، وقوى ذلك أن بعده {وينزل عليكم} فأضاف الفعل إلى الله، جل ذكره، وكذلك "الإغشاء" يضاف إلى الله، ليتشاكل الكلام،...، والاختيار: ضم الياء والتشديد، ونصب {النعاس}؛ لأن بعده {أمنة منه}، فـ:"الهاء" لله، وهو الذي يغشيهم النعاس، ولأن الأكثر عليه". انظر: جامع البيان 13/421، وإعراب القرآن للنحاس 2/179.
[26933]:مشكل إعراب القرآن 1/312، ومعاني القرآن للزجاج 2/403، بلفظ: "منصوب مفعول له، كقولك: "فعلت ذلك حذر الشيء"، وإعراب القرآن للنحاس 2/189، والبيان في غريب إعراب القرآن 1/275، بلفظ: منصوب على أنه مفعول له، وتفسير القرطبي 7/236، والدر المصون 3/402. انظر: حاشية الجمل على الجلالين 3/173.
[26934]:وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1/242، بلفظ: "..وهي مصدر، بمنزلة: أمنت أمنه وأمانا وأمنا كلهن سواء"، وجامع البيان 13/420، وإعراب القرآن للنحاس 2/179، والمحرر الوجيز 2/506، وفيه: "...، و"الهاء" فيها لتأنيث المصدر، كما هي في المساءة والمشقة"، وتفسير القرطبي 7/236، والدر المصون 3/402، بلفظ: "...مصدر لفعل مقدر، أي: فأمنتم أمنة، وفيه وجه ثالث هو: نصبها على أنها واقعة موقع الحال،...،".
[26935]:في معاني القرآن للزجاج 2/403: "{إذ} موضعها نصب على معنى {وما جعله الله إلا بشرى} في ذلك الوقت". للتوسع انظر: المحرر الوجيز 2/505، والبحر المحيط 4/461، والدر المصون 3/401.
[26936]:تمامه في جامع البيان: النعاس.
[26937]:في "ر": عز وجل.
[26938]:جامع البيان 13/419، وتمامه: "وكذلك النعاس في الحرب أمنة من الله عز وجل".
[26939]:من قوله: "وذلك يوم أحد" إلى هنا، يأباه السياق؛ لأن الآية تتحدث عن غزوة بدر. ولعله رحمه الله، يقصد ما أخرجه الطبري بسنده،...، عن ابن زيد قال: قوله: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه}، قال: أنزل الله عز وجل، النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم أحد، فقرأ {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} [آل عمران: 154].
[26940]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[26941]:في "ر": فما أخذتهم، وهو تحريف. وفي الأصل: تلاشت بفعل التصوير. والتصويب من جامع البيان الذي نقل عنه مكي. وأحزنه غيره وحزنه أيضا، مثل: أسلكه وسلكه:...، وخزنه: لغة قريش وأحزنه: لغة قريش وأحزنه: لغة تميم، وقرئ بهما. المختار / حزن.
[26942]:جامع البيان 13/421، باختصار.
[26943]:في سبق المشركين إلى الماء ببدر خلاف، انظر: في المحرر الوجيز 2/507، وتفسير القرطبي 7/237.
[26944]:..وبابه طرب،...، وقوم عطشى بوزن سكرى، وعطاشى بوزن حبالى، وعِطاش بالكسر، المختار / عطش.
[26945]:أحدث الإنسان إحداثا، والاسم: الحدث، وهو الحالة الناقضة للطهارة شرعا، والجمع: الأحداث، مثل: سبب وأسباب. المصباح / حدث.
[26946]:في الأصل: وتهدت، وهو تحريف.
[26947]:لمزيد بيان انظر: جامع البيان 13/422، وما بعدها.
[26948]:سبخت الأرض سبخا، من باب تعب، فهي سبخة بكسر الباء...، أي: ملحة. المصباح / سبخ.
[26949]:انظر: تفسير القرطبي 7/237.
[26950]:وهو قول ابن عباس، والضحاك، والسدي، كما في جامع البيان 13/423، وما بعدها.
[26951]:في الأصل: أول مل قوله، وهو تحريف ليس بشيء.
[26952]:الكثيب من الرمل: المجتمع. المختار / كثب. و: الأعفر: الرمل الأحمر. والأعفر أيضا: الأبيض، وليس بالشديد البياض / المختار.
[26953]:في الأصل: فأبده، وهو تحريف.
[26954]:زيادة من "ر"، وجامع البيان.
[26955]:جامع البيان 13/423، من غير: "وأحزانه".
[26956]:وهو مذهب إليه ابن عباس، والسدي، ومجاهد، والضحاك، على ما في جامع البيان 13/423، وما بعدها. وقال الزجاج في معاني القرآن 2/404: "...، وجائز أن يكون زين به للربط على قلوبهم فيكون المعنى: {وليربط على قلوبكم ويثبت} بالربط الأقدام". انظر: تفسير الرازي 8/139.
[26957]:وهو قول ابن عباس في جامع البيان 13/425، وزاد المسير 3/328. وهو أيضا قول مجاهد كما في تفسيره 352، وجامع البيان 13/425، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1666.
[26958]:في "ر": القتبي.
[26959]:تفسير غريب القرآن 177، وتأويل مشكل القرآن 471. وذكره مكي بنصه في تفسير المشكل من غريب القرآن 180. وقاله ابن زيد على ما في تفسير الماوردي 2/300، وزاد المسير من غريب القرآن 180. وقاله ابن زيد على ما في تفسير الماوردي 2/300، وزاد المسير 3/328. انظر: تفسير الرازي 8/138، وتفسير ابن كثير 2/292.