قوله : { إِذْ يُغَشاكُم } الظرف منصوب بفعل مقدّر كالذي قبله ، أو بدل ثان من إذ يعدكم ، أو منصوب بالنصر المذكور قبله . وقيل : غير ذلك مما لا وجه له . و { إِذْ يُغَشّيكُمُ } هي : قراءة نافع وأهل المدينة على أن الفاعل هو الله سبحانه . وهذه القراءة هي المطابقة لما قبلها . أعني قوله : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } ولما بعدها أعني { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم } فيتشاكل الكلام ويتناسب . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يغشاكم » على أن الفاعل للنعاس . وقرأ الباقون { يُغَشّيكُمُ } بفتح الغين وتشديد الشين ، وهي كقراءة نافع وأهل المدينة في إسناد الفعل إلى الله ، ونصب النعاس . قال مكي : والاختيار ضم الياء والتشديد ، ونصب النعاس لأن بعده { أَمَنَةً منْهُ } . والهاء في منه لله ، فهو الذي يغشيهم النعاس ، ولأن الأكثر عليه ، وعلى القراءة الأولى والثالثة يكون انتصاب { أمنة } على أنها مفعول له . ولا يحتاج في ذلك إلى تأويل وتكلف ، لأن فاعل الفعل المعلل والعلة واحد بخلاف انتصابها على العلة ، باعتبار القراءة الثانية ، فإنه يحتاج إلى تكلف . وأما على جعل الأمنة مصدراً فلا إشكال ، يقال أمن أمنة ، وأمناً وأماناً . وهذه الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم ، وهي أنهم مع خوفهم من لقاء العدوّ والمهابة لجانبه ، سكن الله قلوبهم وأمَّنها حتى ناموا آمنين غير خائفين ، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها ، قيل : وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان : أحدهما أنه قَّواهم بالاستراحة على القتال من الغد . الثاني : أنه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم . وقيل : إن النوم غشيهم في حال التقاء الصفين ، وقد مضى في يوم أحد نحو من هذا في سورة آل عمران .
قوله : { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } هذا المطر كان بعد النعاس . وقيل : قبل النعاس . وحكى الزجاج أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر ، فنزلوا عليه وبقي المؤمنون لا ماء لهم ، فأنزل الله المطر ليلة بدر . والذي في سيرة ابن إسحاق وغيره أن المؤمنين هم الذين سبقوا إلى ماء بدر ، وأنه منع قريشاً من السبق إلى الماء مطر عظيم ، ولم يصب المسلمين منه إلا ما شدّ لهم دهس الوادي ، وأعانهم على المسير .
ومعنى { لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } ؛ ليرفع عنكم الأحداث { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان } أي : وسوسته لكم ، بما كان قد سبق إلى قلوبهم من الخواطر التي هي منه من الخوف والفشل حتى كانت حالهم حال من يساق إلى الموت { وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ } فيجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن الحرب . والضمير في { بِهِ } من قوله : { وَيُثَبّتَ بِهِ الأقدام } راجع إلى الماء الذي أنزله الله ، أي يثبت بهذا الماء الذي أنزله عليكم عند الحاجة إليه أقدامكم في مواطن القتال . وقيل : الضمير راجع إلى الربط المدلول عليه بالفعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.