غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

11

التفسير : قال في الكشاف { إذ يغشيكم } «إذ » بدل ثانٍ من { إذ يعدكم } أو منصوب بالنصر أبو بما في عند الله من معنى الفعل أو بما جعله الله أو بإضمار اذكروا و { أمنة } مفعول لأجله { ومنه } صفة لها أي أمنة حاصلة لكم من عند الله . ولما كان غشيان النعاس وكذا إغشاؤه وتغشيته متضمناً لمعنى تنعسون كان فاعل الفعل المعلل والعلة واحداً كما هو شريطة انتصاب المفعول له . والمعنى إذ تنعسون لأمنتكم أو يغشاكم النعاس فتنعسون أمناً . وجوّز على قراءة الإغشاء والتغشية أن تكون الأمنة بمعنى الإيمان أي ينعسكم إيماناً منه . وجوّز أن ينتصب الأمنة على أنها للنعاس الذي هو فاعل { يغشاكم } أي يغشاكم النعاس لأمنه على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة ، أو على أن المراد أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم وإنما غشاكم أمنة حاصلة له من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل ، وقد مر فوائد هذا النعاس في سورة آل عمران . ومن نعم الله تعالى عليهم في تلك الواقعة إنزال المطر عليهم وكان فيه فوائد : إحداها : تحصيل الطهارة ، والثانية : إذهاب رجز الشيطان . وقيل : هو الجنابة التي أصابتهم لأنها من تخييل الشيطان ولا تكرار لأن الأولى عام وهذه خاص . وقيل : المراد المني لأنه شيء مستخبث مستقذر وعلى هذا يكون في الآية دلالة على نجاسة المني لقوله { والرجز فاهجر } [ المدثر : 5 ] وقيل : المراد وسوسة الشيطان إليهم وتخويفه إياهم من العطش وذلك أن المشركين سبقوهم إلى الماء ونزل المؤمنون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء فناموا

فاحتلم أكثرهم فتمثل لهم إبليس في صورة إنسان فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمد تزعمون أنكم على الحق وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة قد عطشتم ، ولو كنتم على حق لما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم إلى مكة . فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا فأنزل الله المطر فمطروا ليلاً حتى جرى الوادي واتخذ أصحاب رسول الله الحياض على عدوة الوادي وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضأوا وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدوّ حتى ثبتت عليه الأقدام وكانت هذه ثالثة الفوائد وأشار إليها بقوله { ويثبت به } أي بالماء { الأقدام } وقيل : الضمير عائد إلى الربط الذي يدل عليه قوله { ليربط على قلوبكم } والمراد من تثبيت الأقدام الصبر في مواطن القتال ، وذلك أن من كان قلبه ضعيفاً فرّ ولم يقف فلما ربط الله على قلوبهم أي قوّاها ثبتت أقدامهم ومعنى «على » أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأن علاها وارتفع فوقها . قال الواحدي : يشبه أن يكون على صلة والمعنى وليربط قلوبكم بالنصر وما أوقع فيها من اليقين . روي أن المطر نزل على الكافرين أيضاً ولكن الموضع الذي نزل الكفار فيه كان موضع التراب فعظم الوحل وصار مانعاً لهم من المشي والاستقرار . فقوله { ويثبت به الأقدام } يدل مفهومه على أن حال الأعداء كان بخلاف ذلك .

/خ19