الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

وقوله سبحانه : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ } [ الأنفال :11 ] .

القَصْدُ تعديد نِعَمِهِ سبحانه على المؤمنين في يوم بَدْرٍ ، والتقدير : اذكروا إذ فعلنا بكم كذا ، وإذ فعلنا كذا ، والعامل في «إذا » «اذكروا » وقرأ نافع : «يُغْشِيكُم » بضم الياء ، وسكون الغين ، وقرأ حمزة وغيره : { يُغَشِّيكم } بفتح الغين وَشَدِّ الشين المكسورة ، وقرأ ابن كثير وغيره : «يَغْشَاكم » بفتح الياء وألف بعد الشين «النُّعَاسُ » بالرفع ، ومعنى { يُغَشِّيكُمُ } : يغطيكم ، والنُّعَاسُ أَخَفُّ النوم ، وهو الذي يصيب الإِنْسَانَ ، وهو واقف أو مَاشٍ ، وينص على ذلك قَصَصُ هذه الآية ؛ أنهم إنما كان بهم خَفْقٌ بالرُّؤُوس ، وقوله : { أَمَنَةً } مصدر من أَمِنَ يَأْمَنُ أَمْنَاً وأَمَنَةً وأَمَاناً ، والهاء فيه لتأنيث المصدر ، كما هي في المَسَاءَةِ والحَمَاقَةِ والمَشَقَّةِ .

وروي عن ابن مَسْعُودٍ أنه قال : النُّعَاسُ عند حضور القِتَالِ عَلاَمَةُ أمن ، وهو من اللَّه ، وهو في الصَّلاَةِ من الشيطان .

قال ( ع ) : ( وهذا إنما طريقه الوَحْيُ ، فهو لا مَحَالَةَ يسنده ) .

وقوله سبحانه : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } . وذلك أن قَوْماً من المؤمنين لحقتهم جَنَابَاتٌ في سفرهم ، وعدموا المَاءَ قَرِيبَ بَدْرٍ ، فصلوا كذلك ، فَوَسْوَسَ الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العَدُوِّ وقلتهم ، وأيضاً فكانت بينهم وبين مَاءِ بَدْرٍ مَسَافَةٌ ، من رمل دَهْسٍ تَسُوخُ فيها الأَرْجُلُ ، فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكُفَّارُ إلى ماء بدر ، فأنزل اللَّه تلك المَطَرَةَ فَسَالَتِ الأودية ، فاغتسلوا ، وطهرهم اللَّه تعالى فذهب رِجْزُ الشيطان ، وَتَدَمَّثَ الطريق ، وتَلَبَّدَتْ تلك الرِّمَالُ ، فسهل اللَّه عليهم السير ، وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى ماءَ بَدْرٍ ، وأصاب المشركين من ذلك المَطَرَ ما صَعَّبَ عليهم طريقهم ، فسّر المؤمنون ، وتبينوا من فِعْلِ اللَّه بهم ذلك قَصْدَ المعونة لهم ، فطابت نفوسهم ، واجتمعت ، وتَشَجَّعَتْ ، فذلك الرَّبْطُ على قلوبهم ، وتثبيت أقدامهم على الرملة اللَّيِّنَةِ . والضمير في «به » على هذا الاحتمال عَائِدٌ على الماء ، ويحتمل عَوْدُهُ على رَبْطِ القلوب ، ويكون تثبيت الأقدام عِبَارَةً عن النصر والمعونة في مَوْطِنِ الحَرْبِ ، ونزول الماء كان في الزمن قبل تَغْشِيَةِ النعاس ، ولم يترتب كذلك في الآية ، إذ القَصْدُ فيها تَعْدِيدُ النعم فقط .