غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ} (35)

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } .

35

التفسير : إن قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم يحتمل أن تكون مثالاً للكلمة الطيبة وأن تكون دعاء إلى التوحيد وإنكار لعبادة الأصنام ، وأن تكون تعديداً لبعض نعمه على عبيده فإن وجود الصالحين ولاسيما الأنبياء والمرسلين رحمة فيما بين العالمين كما قال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً } [ آل عمران :164 ] . وذلك بدعاء إبراهيم ومن نسله صلى الله عليه وسلم نبينا صلى الله عليه وسلم . حكى الله سبحانه عنه طلب أمور منها : قوله : { رب اجعل هذا البلد آمناً } وقد مر في " البقرة " الفرق بين هذه العبارة وبين ما هنالك . ولا ريب أن في مكة مزيد أمن ببركة دعائه حتى إن الناس مع شدة العداوة بينهم كانوا يتلاقون بمكة فلا يخاف بعضهم بعضاً ، وكان الخائف إذا التجأ بمكة أمن ، وللوحوش هناك استئناس ليس في غيرها ، وإنما قدم طلب الأمن على سائر المطالب لأنه لولاه لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من مهمات الدين والدنيا ومن هنا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه . وسئل بعض الحكماء أن الأمن أفضل أم الصحة ؟ فقال : الأمن دليله أن شاء لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان ، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل وإنها لو ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناول شيئاً إلى أن تموت ، فدل ذلك على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الألم الحاصل للجسد . ومنها قوله : { واجنبني ونبيّ أن نعبد الأصنام } قال جار الله : أهل الحجاز يقولون : جنبني شره بالتشديد . وأهل نجد : جنبني وأجنبني . وفائدة الطلب - والاجتناب حاصل - التثبت والإدامة ولا أقل من هضم النفس وإظهار الفقر والحاجة والتماس العصمة من الشرك الخفي . أما قوله : { وبني } فقيل : أراد بنيه من صلبه وأنهم ما عبدوا صنماً ببركة دعائه . وقيل : أولاده وأولاد أولاده ممن كانوا موجودين حال دعوته . وقال مجاهد وابن عيينة : لم يعبد أحد من ولد إبراهيم صنماً وهو التمثال المصور ، وإنما عبدت العرب الأوثان يعني أحجاراً مخصوصة كانت لكل قوم زعموا أن البيت حجر فحيثما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت ، فكانوا يدورون بذلك الحجر ويسمونه الدوار ولذلك استحب أن يقال : طاف بالبيت ولا يقال دار بالبيت . وضعف هذا الجواب بأنه إذا عبد غير الله فالوثن والصنم سيان ، على أنه سبحانه وصف آلهتهم بما ينبىء عن كونهم مصورين كقوله : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } [ الأعراف : 198 ] الآيات إلى قوله : { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } [ الأعراف : 198 ] . وقيل : إن هذا الدعاء مختص بالمؤمنين من أولاده بدليل قوله : { فمن تبعني فإنه مني } أي من أهلي فإنه يفهم منه أن من لم يتبعه في دينه فإنه ليس من أهله كقوله لابن نوح { إنه ليس من أهلك } [ هود : 46 ] وقيل : إنه وإن عمم الدعاء إلا أنه أجيب في البعض كقوله : { ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [ البقرة : 124 ] . قالت الأشاعرة : لو لم يكن الإيمان والكفر بخلق الله تعالى لم يكن لالتماس التبعيد عن الكفر معنى . وحمله المعتزلة على منح الألطاف .

/خ52