الآية 35 : وقوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا } أي مأمنا ، سمى آمنا لما يأمن الخلق فيه كما سمى النهار مبصرا{[9660]} والنهار ، لا يبصر ، ولكن يبصر فيه ، ومثله كثير .
ثم يحتمل قوله : { اجعل هذا البلد آمنا } [ ما ]{[9661]} قال بعض أهل التأويل : إنما طلب إبراهيم أن يجعله آمنا على أهله وولده خاصة لا على الناس كافة [ لئلا تسفك ]{[9662]} فيه الدماء ، وتُهتك{[9663]} فيه الحُرَم . دل أنه جعله آمنا على أهله وولده خاصة .
ولكن لو كان ما ذكروا محتملا ما يصنع بقوله : { أو لم يروا أنا جعلنا حرما } الآية ( العنكبوت : 67 ) وقوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } ( البقرة : 125 ) وغيرها{[9664]} من الآيات ، أخبر أنه جعل تلك البقعة مأمنا للخلق ، يأمنون فيها . ثم يحتمل وجهين .
أحدهما : جعله آمنا بحق الابتلاء والامتحان ، ألزم الخلق حفظ تلك البقعة عن سفك الدماء فيها وهتك الحرم وغيرها من المعاصي ، وإن كانوا ضيعوا ذلك ، وعملوا فيها ما لا يصلح كالمساجد التي بنيت للعبادة وإقامة الخيرات ، ألزم [ على ]{[9665]} أهلها وعلى جميع الخلائق حفظها عن إدخال ما لا يصلح ، ولا يحل . ثم إن الناس قد ضيعوا ذلك ، وعملوا فيها ما لا يليق بها ، ولا يصلح . فعلى ذلك الحرم الذي أخبر أنه جعله مأمنا .
[ والثاني : جعله مأمنا ]{[9666]} بالخلقة من ذا الوجه ، [ ولا ]{[9667]} يجوز أن يقال : كيف سفك فيه الدماء ؟ وهتك فيه الحرم ؟ وهو بالخلقة جعله مأمنا . قيل : يجوز هذا بحق العقوبة ، وإن كان أمنا . ألا ترى أنه قال : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } الآية ( النساء : 160 ) الطيبات بالخلقة الحلال ، لكنه [ حرم ]{[9668]} عليهم ذلك بالظلم الذي كان منهم بحق العقوبة والانتقام . فعلى ذلك الحرم ، جعله مأمنا بالخلقة .
ثم قيل : فيه عقوبة لما كان منهم من المعاصي /272 – أ / والله أعلم .
وقوله تعالى : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } الآية . فإن قيل : كيف دعا ، وطلب منه العصمة ، وقد عصمه بالنبوة والرسالة ، واختارهما عن ذلك كله ؟ قال بعض أهل التأويل : إنما سأل عصمة ولده وذريته لما علم أن ذريته قد يختلفون في دين الله وتوحيده ، وإنه{[9669]} ذكر نفسه لما المعروف أن من دعا لآخر بدأ بنفسه .
قالت المعتزلة : [ دعوة إبراهيم ربه ]{[9670]} ، وطلب العصمة مما ذكر يدل أنه قد يجوز أن يدعى بدعوات عبادة ، وإن كان قد أعطاه ذلك ، أو يعلم أنه مغفور [ له ]{[9671]} . قيل : دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجوز أن تكون عصمتهم [ بأن كانت مقرونة بما طلبوا ]{[9672]} منه ، وسألوه ، وتضرعوا إليه ، إذ معلوم أنهم لم يستفيدوا تلك العصمة بإهمالهم أنفسهم وتركهم إياها سدى ، بل إنما وجب لهم ذلك بما أجهدوا أنفسهم في طاعة الله .
ثم الآية على المعتزلة من وجهين :
أحدهما : أن إبراهيم طلب منه العصمة عن عبادة الأصنام ، وهو [ على ]{[9673]} علم أنه يعتصم إذ عصمه عن ذلك ، ويهتدي إذا هداه . وهم يقولون : الله يَعصِم ، ولا يَعتَصِم العبد ، ويهدي ، ولا يهتدي العبد ، ويقولون : إذا أعطى أحدا{[9674]} ذلك خرج ذلك من يده ، أو{[9675]} لا يملك إعطاء ذلك .
فعلى قولهم تخرج دعوات الرسل على الهزء أو على الكتمان ؛ لأن من سأل مكن آخر شيئا ، يعلم أنه ليس ذلك عنده ، فهو هزء ، أو سأل ، وهو يعلم أنه قد أعطاه ذلك ، فهو كتمان .
والثاني{[9676]} : كان خوف الأنبياء والرسل الكبراء من الخلق أشد وأكثر على دينهم والزيغ عما هم عليه لما خافوا أن يكونوا عند الله على غير ما هو عند أنفسهم . كانوا أبدا وجلين خائفين على سلب ما هم عليه .
وهكذا الواجب أن يكون الخوف على من نعمه أكثر ، فخوفه أشد .
قال أبو عوسجة : { واجنبني } أي باعدني ، وجنبني أيضا . وقال القتبي : أي جنبني وإياهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.