غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلَيۡنِ أَحَدُهُمَآ أَبۡكَمُ لَا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ أَيۡنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأۡتِ بِخَيۡرٍ هَلۡ يَسۡتَوِي هُوَ وَمَن يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (76)

71

ثم ضرب مثلاً ثانياً لنفسه ، ولما يفيض على عباده من النعم الدينية والدنيوية ، وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع بل يصل منها إلى من يعبدها أعظم المضار . أما تفسير الألفاظ : فالأبكم : العي المفحم ، وقد بكم بكماً وبكامة . وقيل : هو الأقطع اللسان ، الذي لا يحسن الكلام . وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه الذي لا يسمع ولا يبصر . وقوله : { وهو كلٌّ على مولاه } ، أصله من الغلظ الذي هو نقيض الحدة . يقال : كَلَّ السكين : إذا غلظت شفرته ، وكَلَّ اللسان : إذا غلظ فلم يقدر على الكلام ، وكَلَّ فلان عن الكلام : إذا ثقل عليه ولم ينبعث فيه ، وفلان كَلٌّ على مولاه ، أي ، ثقيل وعيال على من يلي أمره . وقوله : { أينما يوجهه } ، حيثما يرسله { لا يأت بخير } ، لم ينجح في مطلبه . والتوجيه : أن ترسل صاحبك في وجه معين من الطريق ، { هل يستوي هو } ، أي : الموصوف بهذه الصفات المذكورة . { ومن يأمر } الناس { بالعدل وهو } في نفسه { على صراط مستقيم } ، على سيرة صالحة ودين قويم غير منحرف إلى طرفي الإفراط والتفريط . ولا شك أن الآمر بالعدل يجب أن يكون عالماً حتى يمكنه التمييز بين العدل والجور . قادراً حتى يتأتى منه الإتيان بالخير والأمر به ، وكلا الوصفين يناقض كونه أبكم لا يقدر . قال مجاهد : هذا مثل لإله الخلق وما يدعى من دونه . أما الأبكم فمثل الصنم ؛ لأنه لا ينطق البتة ولا يقدر على شيء ، وهو كَلٌّ على عابديه ؛ لأنه لا ينفق عليهم ، وهم ينفقون عليه وإلى أيّ مهم يوجه الصنم لا يأتي بخير ، وأما الذي يأمر بالعدل ، فهو : الله سبحانه . وروى الواحدي بإسناده ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : نزلت الآية المتقدمة في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سراً وجهراً ، ومولاه أبو الحوار الذي كان ينهاه عنه . وهذه الآية نزلت في : سعيد بن أبي العيص ، وفي عثمان بن عفان مولاه . والأصح أن المقصود من الآية الأولى : كل عبد موصوف بالصفات الذميمة ، وكل حر موصوف بالخصال الحميدة .

/خ83