ثم علمهم كيف تضرب فقال :{ ضرب الله مثلاً } ، ثم أبدل من المثل قوله : { عبداً مملوكاً } ، لا حراً ؛ فإن جميع الناس عبيد لله فلا يلزم من كونه عبداً كونه مملوكاً . وقوله : { لا يقدر على شيء } ، ليخرج العبد المأذون والمكاتب ، فإنهما يقدران على التصرف . احتج الفقهاء بالآية على أن العبد لا يملك شيئاً وإن ملكه السيد ؛ لأن قوله : { لا يقدر } ، حكم مذكور عقيب الوصف المناسب ، فدل على أن العبدية أينما وجدت ، فهي : علة للذل والمقهورية وعدم القدرة ، فثبت العموم ، وهو : أن كل عبد فهو لا يقدر على التصرف . وأيضاً قوله : { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } ، يقتضي أن لا يحصل للقسم الأوّل هذا الوصف . فلو ملك العبد شيئاً ما صدق عليه أن الله قد آتاه الرزق الحسن فلم يثبت الامتياز ، والأكثرون على أن عدم اقتدار العبد مخصوص بماله تعلق بالمال . وعن ابن عباس أنه لا يملك الطلاق أيضاً . قال جار الله : الظاهر أن : " من " ، في قوله : { ومن رزقناه } ، موصوفة كأنه قيل : وحراً رزقناه ليطابق عبداً . ولا يمتنع أن تكون موصولة . وجمع قوله : { هل يستوون } ؛ لأنه أراد الأحرار والعبيد . وللمفسرين في مضرب المثل أقوال : فالأكثرون على أنه أراد أنا لو فرضنا عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ، وفرضنا حراً كريماً غنياً كثير الإنفاق سراً وجهراً ، فصريح العقل يشهد بأنه لا يجوز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة ، فكيف يجوز للعاقل أن يسوّي بين الله القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر البتة ؟ ! وقيل : العبد المملوك ، هو : الكافر المحروم عن طاعة الله وعبوديته ، والآخر ، هو : المؤمن المشتغل بالتعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله . والغرض أنهما لا يستويان في الرتبة والشرف والقرب من رضوان الله . وقيل : العبد هو الصنم لقوله : { إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً } [ مريم : 93 ] . والثاني : عابد الصنم . والمراد : أنهما لا يستويان في القدرة والتصرف ؛ لأن الأوّل جماد ، وهذا إنسان ، فكيف يجوز الحكم بأن الأول مساوٍ لرب العالمين ؟ ! .
{ الحمد لله } ، قال ابن عباس : أراد الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد . وقيل : معناه كل الحمد لله ، وليس شيء من الحمد للأصنام ؛ لأنه لا نعمة لها على أحد . { بل أكثرهم لا يعلمون } ، أن كل الحمد لي . وقيل : أراد قل : الحمد لله . والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما لمن رزقه الله رزقاً حسناً وميزه بالقدرة والاختيار والتصرف من العبد الذليل الضعيف . وقيل : لما ذكر مثلاً مطابقاً للغرض كاشفاً عن المقصود قال : { الحمد لله } ، أي : على قوة هذه الحجة وظهور هذه البينة ، { بل أكثرهم لا يعلمون } ، قوّتها وظهورها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.