غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدٗا مَّمۡلُوكٗا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَمَن رَّزَقۡنَٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنٗا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرّٗا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ يَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (75)

71

ثم علمهم كيف تضرب فقال :{ ضرب الله مثلاً } ، ثم أبدل من المثل قوله : { عبداً مملوكاً } ، لا حراً ؛ فإن جميع الناس عبيد لله فلا يلزم من كونه عبداً كونه مملوكاً . وقوله : { لا يقدر على شيء } ، ليخرج العبد المأذون والمكاتب ، فإنهما يقدران على التصرف . احتج الفقهاء بالآية على أن العبد لا يملك شيئاً وإن ملكه السيد ؛ لأن قوله : { لا يقدر } ، حكم مذكور عقيب الوصف المناسب ، فدل على أن العبدية أينما وجدت ، فهي : علة للذل والمقهورية وعدم القدرة ، فثبت العموم ، وهو : أن كل عبد فهو لا يقدر على التصرف . وأيضاً قوله : { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } ، يقتضي أن لا يحصل للقسم الأوّل هذا الوصف . فلو ملك العبد شيئاً ما صدق عليه أن الله قد آتاه الرزق الحسن فلم يثبت الامتياز ، والأكثرون على أن عدم اقتدار العبد مخصوص بماله تعلق بالمال . وعن ابن عباس أنه لا يملك الطلاق أيضاً . قال جار الله : الظاهر أن : " من " ، في قوله : { ومن رزقناه } ، موصوفة كأنه قيل : وحراً رزقناه ليطابق عبداً . ولا يمتنع أن تكون موصولة . وجمع قوله : { هل يستوون } ؛ لأنه أراد الأحرار والعبيد . وللمفسرين في مضرب المثل أقوال : فالأكثرون على أنه أراد أنا لو فرضنا عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ، وفرضنا حراً كريماً غنياً كثير الإنفاق سراً وجهراً ، فصريح العقل يشهد بأنه لا يجوز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة ، فكيف يجوز للعاقل أن يسوّي بين الله القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر البتة ؟ ! وقيل : العبد المملوك ، هو : الكافر المحروم عن طاعة الله وعبوديته ، والآخر ، هو : المؤمن المشتغل بالتعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله . والغرض أنهما لا يستويان في الرتبة والشرف والقرب من رضوان الله . وقيل : العبد هو الصنم لقوله : { إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً } [ مريم : 93 ] . والثاني : عابد الصنم . والمراد : أنهما لا يستويان في القدرة والتصرف ؛ لأن الأوّل جماد ، وهذا إنسان ، فكيف يجوز الحكم بأن الأول مساوٍ لرب العالمين ؟ ! .

{ الحمد لله } ، قال ابن عباس : أراد الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد . وقيل : معناه كل الحمد لله ، وليس شيء من الحمد للأصنام ؛ لأنه لا نعمة لها على أحد . { بل أكثرهم لا يعلمون } ، أن كل الحمد لي . وقيل : أراد قل : الحمد لله . والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما لمن رزقه الله رزقاً حسناً وميزه بالقدرة والاختيار والتصرف من العبد الذليل الضعيف . وقيل : لما ذكر مثلاً مطابقاً للغرض كاشفاً عن المقصود قال : { الحمد لله } ، أي : على قوة هذه الحجة وظهور هذه البينة ، { بل أكثرهم لا يعلمون } ، قوّتها وظهورها .

/خ83