غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (235)

233

الحكم الرابع عشر : خطبة النساء وذلك قوله سبحانه { ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء } والتعريض ضد التصريح ومعناه أن تضمر كلامك كي يصلح للدلالة على المقصود وعلى غير المقصود إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح ، ولهذا قد يقال : إنه سوق الكلام لموصوف غير مذكور كما يقول المحتاج : جئتك لأنظر إلى وجهك الكريم . ومنه قول الشاعر :

وحسبك بالتسليم مني تقاضياً *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأصله من عرض الشيء وهو جانبه كأنه يحوم حوله ولا يظهره ولهذا قيل : " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " وهو قسم من أقسام الكناية . والخطبة أصلها من الخطب وهو الأمر والشأن خطب فلان فلانة أي سألها أمراً وشأناً في نفسها . وكذا في الخطبة والخطاب فإن في كل منهما شأناً . ثم النساء على ثلاثة أقسام : أحدها : أن تجوز خطبتها تعريضاً وتصريحاً وهي الخالية عن الزوج والعدة إلا إذا كان قد خطبها آخر وأجيب إليه ، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " فإن وجد صريح الإباء أو لم يوجد صريح الإجابة ولا صريح الرد فالأصح أنه يجوز خطبتها لأن السكوت لا يدل على الرضا خلافاً لمالك . وثانيها : ما لا يجوز خطبتها تعريضاً ولا تصريحاً وهي منكوحة الغير ، لأن خطبتها ربما صارت سبباً لتشويش الأمر على زوجها ، ولامتناع المرأة عن أداء حقوق الزوج إذا وجدت راغباً فيها ، وكذا الرجعية فإنها في حكم المنكوحة بدليل أنه يصح طلاقها وظهارها ولعانها وتعتد منه عدة الوفاة ويتوارثان . وثالثها : ما يفصل في حقها بين التعريض والتصريح وهي المعتدة غير الرجعية سواء كانت معتدة عن وفاة ، أو عن طلقات ثلاث ، أو عن طلقة بائنة كالمختلعة ، أو عن فسخ . وسبب التحريم أنها مستوحشة بالطلاق فربما كذبت في انقضاء العدة بالأقراء مسارعة إلى مكافاة الزوج . وأما المعتدة عن وفاة فظاهر الآية يدل على أنها في حقها لأنها ذكرت عقيب آية عدة المتوفى عنها زوجها ، ثم إنه خص التعريض بعدم الجناح فوجب أن يكون التصريح بخلافه ، ثم المعنى يؤكد ذلك وهو أن التصريح لا يحتمل غير النكاح ، فالغالب أن يحملها الحرص على النكاح على الإخبار عن انقضاء العدة قبل أوانها بخلاف التعريض فإنه يحتمل غير ذلك فلا يدعوها إلى الكذب . قال الشافعي : والتعريض كثير كقوله " رب راغب فيك " أو " من يجد مثلك " أو " لست بأيم " و " إذا حللت فأعلميني " . وعد آخرون من ألفاظ التعريض أو يقول لها : " إنك لجميلة " أو " صالحة " و " من غرضي أن أتزوج " و " عسى الله أن ييسر لي امرأة صالحة " ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه . والتصريح أن يقول : إني أريد أن أنكحك أو أتزوجك أو أخطبك . وعن أبي جعفر محمد بن علي أنها دخلت عليه امرأة وهي في العدة فقال : قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي عليّ وقدمي في الإسلام . فقالت : غفر الله لك أتخطبني في عدتي وأنت يؤخذ عنك ؟ فقال : إنما أخبرتك بقرابتي من نبي الله . قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده . فما كانت تلك خطبة { أو أكننتم في أنفسكم } أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم ، لا معرّضين ولا مصرحين . أباح التعريض في الحال أولاً ثم أباح أن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك بعد انقضاء العدة ، ثم ذكر الوجه الذي لأجله أباح التعريض فقال : { علم الله أنكم ستذكرونهن } لأن شهوة النفس إذا حصلت في باب النكاح لم يكد المرء يصبر عن النطق بما ينبئ عن ذلك فأسقط الله تعالى عنه الحرج . ثم قال : { ولكن } أي فاذكروهن ولكن { لا تواعدوهن سراً } والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه مما يسر . ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح { إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا . والمعنى لا تواعدوهن مواعدة سرية إلا مواعدة الإحسان إليها والاهتمام بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء مؤكداً لذلك التعريض . فالمواعدة المنهي عنها إما أن تكون المواعدة في السر بالنكاح فيكون منعاً من التصريح ، وإما المواعدة بذكر الجماع كقوله : إن نكحتك آنك الأربعة والخمسة . وعن ابن عباس أو كقوله : دعيني أجامعك فإذا أتممت عدتك أظهرت نكاحك . عن الحسن أو يكون ذلك نهياً عن مسارة الرجل المرأة الأجنبية لأن ذلك يورث نوع ريبة ، أو نهياً أن يواعدها أن لا تتزوج بأحد سواه . ويحتمل أن يكون السر صفة للموعود به أي لا تواعدوهن بشيء يوصف بكونه سراً إلا بأن تقولوا قولاً معروفاً وهو التعريض . وعن ابن عباس هو أن يتواثقا أن لا تتزوج غيره { ولا تعزموا عقدة النكاح } من عزم الأمر وعزم عليه . والعزم عقد القلب على فعل من الأفعال معناه ولا تعزموا عقد عقدة النكاح ، أو لا تعزموا عقدة النكاح أن تعقدوها ، وإذا نهى عن العزم فعن نفس الفعل أولى . وقيل : معنى العزم القطع أي لا تحققوا ذلك ولا توجبوه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل " وروي " لم يبيت الصيام " وقيل : لا تعزموا عليهن أن يعقدن النكاح مثل عزمت عليك أن تفعل كذا . وأصل العقد الشد والعهود والأنكحة تسمى عقوداً تشبيهاً بالحبل الموثق بالعقد { حتى يبلغ الكتاب أجله } المراد منه المكتوب أي تبلغ العدة المفروضة آخرها وانقضت ، ويحتمل أن يكون مصدراً بمعنى الفرض أي حتى يبلغ هذا التكليف نهايته . وباقي الآية بيان موجبي الخوف والرجاء كما تقدم .