غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

92

وكرر ذكر رفع الطور للتأكيد ، ولما نيط به من زيادة قولهم { سمعنا وعصينا } الدال على نهاية لجاجهم وذلك أنه قال لهم : اسمعوا سماع تقبل وطاعة . فقالوا : سمعنا ولكن لا سماع طاعة ، وظاهر الآية يدل على أنهم قالوا هذا القول أعني سمعنا وعصينا وعليه الأكثرون . وعن أبي مسلم أنه يجوز أن يكون المعنى سمعوه وتلقوه بالعصيان ، فعبر عن ذلك بالقول مثل { قالتا أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] { وأشربوا في قلوبهم العجل } أي تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الثوب الصبغ . وقوله تعالى { في قلوبهم } بيان لمكان الإشراب كقوله { إنما يأكلون في بطونهم ناراً } [ النساء : 10 ] وفي هذه الاستعارة لطيفة وهي أنه كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض فكذا تلك المحبة كانت مادة للقبائح الصادرة عنهم . وفي قوله { وأُشربوا } دلالة على أن فاعلاً غيرهم فعل ذلك بهم كالسامري وإبليس وشياطين الجن والإنس ، وذلك بسبب كفرهم واعتقادهم التشبيه على الله تعالى ولا ريب أن جميع الأسباب تنتهي إلى الله تعالى وقد عرفت التحقيق في أمثال ذلك مراراً . { بئسما يأمركم } المخصوص بالذم محذوف أي بئس شيئاً يأمركم به إيمانكم بالتوراة عبادة العجل ، فليس في التوراة عبادة العجاجيل . وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال قوم شعيب { أصلاتك تأمرك } [ هود : 87 ] وكذلك إضافة الإيمان إليهم . واعلم أن الإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي ، لكن الداعي إلى الفعل والسبب فيه قد يشبه بالأمر كقوله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] .