غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

1

وأكد الأصل الآخر بل كلا الأصلين بقوله { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو } يعني أن يعيده { أهون عليه } أي في نظركم وعند معقولكم وإلا فلا صعوبة في الإبداء أصلاً حتى يقع التفضيل على حده . وإنما أخرت الصلة ههنا وقدمت في قوله في سورة مريم و{ وهو على هين } [ مريم : 9 ] لأنه قصد هناك الاختصاص يعني أن خلق الولد بين هرم وعاقر لا يهون إلا علي ، ولا معنى للاختصاص ههنا فإن الأمر مبني على المعقول بين الآدميين من أن المعاد أهون من المبدأ ولهذا قيل : أول الغزو أخرق . وليس الدخيل في أمر كالناشئ عليه . ومن الدليل العقلي على هذا المطلوب أن الإبداء خلق الأجزاء وتأليفها ، والإعادة تأليف فقط ، ولا شك أن أمراً واحداً أهون من الأمرين ولا يلزم منه أن يكون في الأمرين صعوبة فإن من قال : الرجل القوي يقدر على حمل شعيرة من غير صعوبة وسلم السامع له ذلك فإذا قال فلان لا يتعب من حمل خردلة وإن حمل خردلة أهون عليه . كان كلاماً معقولاً وقد أجرى الزجاج قوله { وهو أهون عليه } مجرى المثل فيما يصعب ويسهل . وفسر به قوله { وله المثل الأعلى } يعني هذا مثل مضروب لكم في الأرض وله المثل الأعلى من هذا المثل ومن كل مثل يضرب في السموات فيما بين الملائكة . وعن ابن عباس : أراد أن فعله وإن شبهه بفعلكم ومثله به لكنه ليس كمثله شيء فله المثل الأعلى وقال جار الله : المثل الوصف أي له الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به ووصف في السموات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل ، وهو أنه القادر الذي يقدر على الخلق والإعادة ، العليم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يصعب عليه جمع الأجزاء بعد تفرّقها على الوجه الذي يقتضيه التدبير ولهذا ختم الآية بقوله : { وهو العزيز الحكيم } وعن مجاهد : المثل الأعلى وصفه بالوحدانية وهو قوله " لا إله إلا الله " .

/خ32